للسويس مع رؤساء مصر حكايات مثيرة.. في عهد عبد الناصر كانت العلاقة بين السوايسة و«ناصر»، علاقة حب جارف متبادل بين الطرفين.. وفي الحقبة الساداتية صارت العلاقة مزيجاً من الشك والريبة ومع «مبارك» كانت القطيعة والجفاء! وقبل ان تصبح مصر جمهورية، كانت السويس «وفدية» حتي النخاع، وفي الاربعينات رشح الوفد في انتخابات البرلمان مواطناً بسيط الحال اسمه «محمد البديوي» في مواجهة باشا بالغ الثراء اسمه «شحاتة سليم» وفاز «البديوي» الوفدي علي الباشا شحاتة. ومع مطلع الخمسينيات كانت السويس كلها فدائية.. السوايسة والشرطة معاً الجميع لم يكن لهم سوي هدف واحد هو محاربة الانجليز والهجوم علي معسكراتهم الممتدة بطول منطقة القناة. وعندما اراد الانجليز معاقبة السويس هدموا قرية كفر احمد عبده بالكامل.. ازالوها من الوجود عام 1951.. ولكن حكومة الوفد ردت للانجليز الصاع صاعين، وقررت إعادة بناء القرية علي نفقة الحكومة واصدر فؤاد سراج الدين وزير الداخلية آنذاك قراراً بتعيين آلاف السوايسة في اقسام الشرطة وبلوكات النظام. ومع ثورة يوليو 1952، تغيرت الاحوال الي حد كبير في السويس وشهدت المدينة طفرة صناعية ورواجاً اقتصادياً كبيراً حيث اممت الحكومة شركات الملاحة وتوسعت في تعيين ابناء السويس بها. واقامت مصانع جديدة واتاحت للسوايسة فرص عمل بلا حدود ومن هنا التقت الطبيعة الثورية لأهل السويس مع انجازات ثورة يوليو. وكانت المحصلة هي ميلاد عشق جامع بين السويس ويوليو. وبادل جمال عبد الناصر السوايسة حباً بحب، خاصة ان ذكرياته مع السويس كانت إيجابية حيث عاش الرئيس في السويس حيناً من الدهر، مع والده الذي كان يعمل رئيساً ل«بوسطة الأربعين» في قلب السويس. ويشير المؤرخ السويسي محمود رضوان الي ان عبد الناصر زار السويس اكثر من 3 مرات وفي كل مرة كان السوايسة يستقبلونه استقبالاً اسطورياً.. زارهم عام 1954 اثناء توقيع معاهدة الجلاء وبعد 10 سنوات زارهم مرة اخري ثم زارهم مرة ثالثة عام 1966 ليستقبل القوات المصرية العائدة من اليمن. وفي هذه الزيارة ألقي «عبد الناصر» خطاباً مطولاً اعلن فيه رفع سعر كيلو الارز من 4 قروش إلي 8 قروش، وساعتها قال «أقل لأخواني السوايسة سامحوني.. انا عارف أنكو بتأكلوا أرز كتير مع السمك» فضحك كل من حضر المؤتمر.. وواصل «عبد الناصر» خطابه. وعندما تولي «السادات» حكم مصر، حرص هو الآخر علي ان يمد خيوط الود مع السويس.. يقول المؤرخ «محمود رضوان»: كان السادات يحمل في عقله ذكريات سنين طويلة في السويس وهي السنوات التي هرب فيها من مطاردة الشرطة، وعمل مع رجل المقاولات حسن عزت وارتبط بصداقات مع كثير من أبناء السويس وعلي رأسهم رجل من عائلة «الهواري» وكان يعمل مقاولاً لجمع مخلفات الجيش الإنجليزي». ويضيف «رضوان»: رغم حرص السادات علي التواصل مع ابناء السويس إلا أنهم كانوا يرتابون في امره «ومش مرتاح له» خاصة بعدما انقلب علي سياسات «عبد الناصر» ورغم استمرار السادات في زيارة السويس ويحرص علي صلاة العيد في مساجدها. ويواصل المؤرخ محمد رضوان: في 1976 وقع اول صدام علني بين «السادات» والسوايسة. ففي هذا العام رشح السادات صديقه «أحمد حلمي بدر» في انتخابات مجلس الشعب ضد فاروق متولي احد ابناء السويس. فاختار السوايسة متولي وخسر مرشح الرئيس، وهو ما اغضب «السادات» بشدة. وفي اول حركة للمحافظين عقب الانتخابات، أعلن عن غضبه فاختار للسويس محافظاً من خارج المحافظة في الوقت الذي اختار لبورسعيد محافظاً من ابنائها، واختار للاسماعيلية محافظاً إسماعلاوياً. وانقطعت شعرة معاوية تماماً بين السادات والسوايسة بسبب صلاة العيد ففي أحد الاعياد ذهب السادات الي السويس لاداء صلاة العيد في مسجد الغريب كعادته.. وفوجئ بأن المسجد يخلو من السوايسة وليس فيه سوي المخبرين ورجال الشرطة وعلي الفور قرر الا يذهب للسويس مرة اخري.. وجعل الاسماعيلية هي مقر اقامته خارج القاهرة. وعندما تولي مبارك فلم يدخل السويس ابداً، ولم يلتق أهلها علي الاطلاق فقط وكان يذهب في زيارات خاطفة للمنطقة الصناعية بخليج السويس. وكان يصلها بطائرته الهليكوبتر حتي لا يمر في شوارع السويس. ولكن لماذا تجنب «مبارك» زيارة السويس والالتقاء بأهلها؟ يجيب المؤرخ محمود رضوان قائلاً: السر في ذكريات مبارك الأليمة في السويس! ويضيف عندما كان مبارك نائباً للسادات، كان يذهب للسويس ليكون في صحبة الرئيس مع كل زيارة له. وامام زوار السادات في محل اقامته بالسويس وكان السادات يتحدث بصلف وجفاف مع «مبارك» وفي بعض الاحيان كان يطلب منه ان يحضر له القهوة واحيانا اخري كان يطلب منه ان يحضر القهوة لعثمان أحمد عثمان الذي كان يرافق السادات دائماً في زياراته خارج القاهرة ومثل هذه المواقف جعلت «مبارك» يكره السويس ويكره زيارتها.. ولهذا لم يزرها ولا لمرة واحدة طيلة 30 عاماً.