«أجيب منين علشان أسكن وأعيش زي الناس.. الصحة راحت والعمر راح والمرض حاوطني من كل حتة» بهذه الكلمات عبرت فايزة أحمد «55 عاماً» عن مأساتها في الحياة بعزبة رشوان إحدي أكثر المناطق عشوائية في شبرا الخيمة. هي تحكي قصتها قائلة: توفي زوجي منذ 12 عاماً بعدما أصيب بأمراض الدنيا بسبب الفقر والحاجة فلم نجد ثمن العلاج، فمات من شدة الألم.. أولادي كانوا صغاراً وليس لنا دخل نعيش منه فاضطررت لبيع الخضار لأتمكن من تربيتهم، حتي بلغ ابني 17 عاماً الآن وصار يعمل وينفق علينا أنا وأخته، إحنا ساكنين إيجار جديد ب 400 جنيه كل شهر ومدة الإيجار انتهت وصاحب البيت شرط علينا أنه يزود الإيجار لو حبينا نجدد وعايز تأمين 7000 جنيه ومش عارفة أجيب منين وإحنا علي قد حالنا ونكمل عشانا نوم وابني هو العائل الوحيد وأنا ست كبيرة ومش هاقدر أشتغل تاني وجالي المرض من العيشة اللي ما ترضيش ربنا دي عيشة الكلاب أرحم، المجاري محاوطانا من كل ناحية حتي الميه مش لاقيينها زي الناس الطبيعية مفيش هنا غير مية الطلمبة اللي جابت لي أنا وأولادي المرض لأنها مخلوطة بمية المجاري ولو حد عايز مية حلوة لازم يشتري جركن المياه ب 3 جنيهات. وتلتقط أختها سامية التي انضمت وزوجها للإقامة معها طرف الحديث قائلة: هربنا من مصر إلي ليبيا بسبب الفقر ورجعنا خوفاً من الموت علي يد قوات القذافي.. تأخذ أنفاسها بعمق وتضيف: أنا لسه راجعة من ليبيا مع جوزي وولادي الاثنين من حوالي أسبوعين كنا عايشين عيشة مستريحة في ليبيا حتي اشتعال الحرب فتركنا كل حاجة وهربنا بجلدنا من جهنم ووصلنا مصر إيد ورا وإيد قدام ولم نجد حلا سوي السكن مع أختي وأولادها وأنا عارفة أننا حمل تقيل عليها أوي لكن ما باليد حيلة.. رغم أن العيشة هنا في عزبة رشوان صعبة وأولادي أصابهم الربو علي صدرهم بسبب الزبالة التي تغطي الشوارع. سماح إبراهيم «30 عاماً» تقول: تزوجت هنا منذ حوالي 5 سنوات، وزوجي «أرزقي» علي باب الله ليس معه تمن إيجار شقة في أي مكان آخر.. سألتها لماذا لم تتقدم لحجز شقة من شقق المحافظة.. أجابت: تقدمت طبعاً لكن بلا فائدة جديدة، منهم لله المسئولين هما مستريحين وإحنا شايفين الويل. أم إسلام تبدو علي ملامحها الطيبة والبراءة.. طلبت منا أن نساعدها ونكلم «الحكومة» لتدخل الكهرباء لأهالي العزبة.. أم إسلام لديها مشكلة مع انعدام الكهرباء، وتقول: قدمت علي عداد كهرباء ومعايا الإيصال منذ سنة لكن لا حس ولا خبر وكل ما أروح أسأل في شركة الكهرباء يقولوا لسه معادك ما جاش وأنا ست كبيرة ونفسنا نتفرج علي تليفزيون زي الناس. أثناء تجولنا في عزبة رشوان شاهدنا مجموعة من شباب المنطقة مجتمعين حول طاولة بلياردو تمثل حالة الترفيه الوحيدة بالعزبة التي تخلو من مركز شباب أو أي وسيلة للتسلية. اقتربنا من هؤلاء الشباب وسألناهم عن أحلامهم.. أحمد محمد السيد قال: نفسنا حد يعبرنا من المسئولين وييجي لحد هنا ويشوف إحنا عايشين إزاي، الطرق مش مرصوفة ومفيش شبكة صرف صحي، حتي المية مش من حقنا ده غير أن وسيلة المواصلات الوحيدة هنا هي التوك توك وعلشان ننسي اللي إحنا فيه اتفقت أنا ومجموعة من شباب العزبة أننا نعمل ترابيزة بلياردو بجهودنا الذاتية نفرغ فيها طاقتنا بدل ما يمشوا في سكة البلطجة. وأثناء سيرنا في العزبة شاهدنا مجموعة من السيدات وأطفالهن يعبرون الطريق بواسطة جسر من جذوع النخيل محاط بمياه البرك والمستنقعات ومغطي بأكوام من المقامة.. استوقفتهم لكي أسألهم أنتم مش خايفين تقعوا? أجابتني زينب السيد: لابد من عبور الجسر إلي الجهة الأخري للوصول لموقف المواصلات، وأضافت: من حوالي 4 أيام كانت إحدي السيدات تعبر الجسر فاختل توازنها ووقعت في بركة المياه وأصيبت بإصابات خطيرة وغيرها من الحالات المشابهة لكن نعمل إيه هو ده الطريق الوحيد لقضاء مصالحنا. أم إبراهيم واحدة من سكان العزبة، تروي معاناتها قائلة: البيت هيقع علينا في أي لحظة لأنه قديم وعمره 100 سنة والمسئولين مش سائلين فينا، وزي ما أنتم شايفين العزبة عبارة عن حواري ضيقة لا تتسع لدخول أكثر من شخص واحد في نفس الوقت والجيران يسلمون علي بعض من الشبابيك لأن البيوت قريبة من بعضها. تركتها وذهبت إلي أبو إسلام الذي تجاوز 60 عاماً والذي يعيش هو وزوجته وخمسة من الأبناء في حجرتين صغيرتين لا تسعهم.. أبو إسلام يؤكد أنه فقد الأمل هو وباقي الأهالي في أن تدخل الكهرباء والمياه والصرف الصحي إلي العزبة فضلاً عن الحصول علي شقق بديلة. أثناء تجولنا في المنطقة لاحظنا وجود سيدة مسنة تجلس أمام باب منزلها المتهالك وبجوارها أحد أحفادها وقد وضعت يدها علي خديها.. اقتربنا منها لنسألها عن أسباب شرودها قالت: عايشة أنا وزوجي وأبنائي السبعة في حجرتين ولسه مجوزة ابني الكبير معانا في نفس المكان، ولسه عندي ستة غيره قولوا لي أعمل إيه لو حبوا يتجوزوا هما كمان والبيت زي ما أنتم شايفين قديم وأنا خايفة يقع علينا أنا وولادي.. تلتقط طرف الحديث فتحية مصطفي قائلة: هو إحنا مش من حقنا نعيش زي بقية الناس عيشة آدمية، الثورة قامت وقلنا البلد هتنضف من الحرامية اللي كانوا نهبوها وحقنا هيرجع لنا وهنسكن في شقق نظيفة بدل المقابر التي نحيا فيها كالموتي, لكن يظهر والله أعلم أننا سنعيش ونموت هنا كالحيوانات.