والله أنا محتار، بين النص الإلهي: «إنك لن ترضي من أحببت».. وبين الحكمة النادرة - القديمة التي تقول: كالمستجير من الرمضاء.. بالنار. في الأولي لا أحد يزايد علي الرئيس السيسي - وأيضاً رئيس حكومة محلب بك - علي مدي حبها لمصر، وللمصريين.. ولكن ما تم في الساعات الاخيرة يؤكد حيرة مصر وكل المصريين من كيفية مواجهة عجز الموازنة العامة.. فالحكومة حائرة بين رغبتها في تخفيف هذا العجز.. وبين حبها للمصريين.. وهي إن لجأت إلي الأسلوب الذي يراه «كل» أساتذة الاقتصاد وهو تقليل الدعم الذي تتحمله الدولة فإن ذلك - رغم صوابه - يغضب الناس جميعاً.. فأين المفر.. تماماً كما وقف طارق بن زياد علي الشاطئ الجنوبي للأندلس - بعد أن عبر بجنوده من المغرب إلي الأندلس وخاطب جنوده: العدو من أمامكم.. والبحر من خلفك، بعد أن تخلص من الاسطول الذي نقله وجنوده.. حقاً موقف شديد القسوة - أقصد تخفيف الدعم الذي يعني زيادة أسعار الوقود والطاقة - وبين غضبة الجماهير التي تقولها الآن صراحة: لقد انتخبنا السيسي لينقذنا مما نحن فيه.. فهل نندم عندما يزيد علينا أعباء وتكاليف الحياة.. هنا يأتي المثل الثاني الذي يقول: كالمستجير من الرمضاء.. بالنار.. والرمضاء هي شدة الحرارة.. وهي النار.. ولهذا عندما أراد العرب تسمية الشهور الهجرية وقرروا الأخذ بتسمية كل شهر بما نسب إليه من أحداث ولما كان رمضان - أيامها - في أيام شديدة الحرارة التي تجعل الأرض «تحمر» أي يصبح لونها أحمر.. ولما كانت أفضل كلمة تعبر عن هذه الحرارة الحمراء.. هي الرمضاء.. أطلقوا علي الشهر الذي وقع فيها أسم رمضان!!. والمثل هنا يقول أن لا أمل في الهروب.. لأنك بالضبط تطلب المستحيل فأنت «بين نارين» نار رمضاء.. تحاول أن تهرب منها أو تستجير.. فتلجأ إلي.. النار.. فأين المفر؟!.. وأين اللجوء.. بل أين الحل؟. وإذا كانت هذه القرارات «الأولي» تواجه الآن هذا الغضب العارم، ومن كل الأطراف، فهي في الوقود الكل رافض السائقون وأصحاب السيارات، ميكروباص وتوك توك ونقل.. وكل الركاب، حتي ملاك السيارات الملاكي، الكل يصرخ، وهي ثورة بين الفلاحين لان هذه الزيارات تضيف أعباء علي تكاليف الزراعة من ري وحصاد.. إلي نقل للأسواق.. فما يبقي للفلاح.. أما عن اسعار الكهرباء فهي مشكلة مؤجلة لعدة أيام فقط.. أي لحين وصول فواتير الكهرباء - عن هذا الشهر - إلي المستهلكين، آخر الشهر.. أي سوف تصل الثورة إلي مستهلكي الكهرباء خلال أيام.. ولا مهرب للحكومة.. فهل تستطيع الصمود.. والسؤال الأخطر: هل تستمر في سياستها لعلاج العجز الرهيب في الموازنة - بسبب الدعم - أم تتراجع، كما تراجع الرئيس أنور السادات، وأجبر وزيره القيسوني - صاحب الزيادات علي إلغائها فكان أن أنهي الدكتور القيسوني - رغم كل علمه وخبرته ووطنيته - حياته السياسية في نهاية حكومة ممدوح سالم الرابعة التي تشكلت في 26 اكتوبر 1977 وكان القيسوني فيها نائبا لرئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية ووزيراً للتخطيط.. ولكن السادات وقتها فضل التضحية بالقيسوني عن أن يضحي بالشعب كله!!. وأعترف أن الشعب يغلي الآن، بسبب هذه القرارات، وسوف يزداد الغليان.. وأخشي ألا يتحكم الشعب في عواطفه الآن.. فيخرج للثورة من جديد.. ولو كان السادات قد صمد أيامها وأصر علي تنفيذ قرارات القيسوني فمن المؤكد أن مصر كانت ستحل - فعلاً - مشكلة الدعم الحكومي ولكن السادات رأي أنه لا يكون رد الجميل للشعب الذي وقف معه في تحمل أعباء حرب أكتوبر 1973.. أن يكون بزيادة أعبائه الحياتية.. ولكن أعباء الدعم زادت مئات المرات علي حجم الدعم أيام السادات.. القيسوني.. أي أصبح الدعم جزءاً أساسياً من حياة المصريين.. والسؤال: هل هذا وقت هذه القرارات؟ أقولها وعوضي علي الله «الناس.. كفرانة» والعياذ بالله، ولكن يد الحكومة قصيرة وعينها بصيرة، فمن أين تأتي بما يعوض هذا الدعم.. ألم تكن هناك أي خيارات.. وهل نطالب الناس «بشد الحزام» حتي انقطع الحزام، ماذا يقول العقل المصري.. هل من حل يرضي كل الاطراف.. وأقولها: كان الأولي أن تقدم الحكومة برنامجاً شديد الوضوح.. بل والقسوة بالتقشف الحكومي.. وإذا كان الرئيس السيسي قد بدأ بنفسه عندما تبرع بنصف راتبه.. بل ونصف ثروته التي ورثها عن ابيه.. فإن الحكومة لم تقدم للناس برنامجاً للتقشف الشديد.. مثلاً: لا أعتقد أن في العالم دولة واحدة لها هذا العدد من السفارات بكل ما تضمه من موظفين بداية من السفراء إلي السعاة.. كما نحن في مصر، وبكل ما تتحمله من رواتب ومزايا.. ماذا يمنع ان يتم تقليص نصف عدد هذه السفارات.. ولماذا لا تجري الحكومة حصراً لكل ما تملكه من سيارات في كل القطاعات مركزية وإدارة محلية وشركات قطاع عام.. ثم تقوم ببيع 70٪ من هذه السيارات، أيضاً لماذا لا تقوم ببيع نصف ما تملكه من اجهزة تكييف.. لتقلل من استهلاكها الكهربي.. وغير ذلك من تقشف حكومي.. نعم، كان الأولي بالحكومة أن تبدأ بنفسها.. حتي إذا لجأت إلي الضغط علي الناس.. تجاوبت معها النسبة الأكبر من الناس.. أقول ذلك وأنا أعلم أن المشكلة الطاحنة الاقتصادية تحتاج إلي جراحة مؤلمة بل شديدة الألم للناس.