التفجيرات التى تابعناها صباح أمس الأول،فى الذكرى الأولى لثورة 30يونية،هى وسيلة جديدة للضغط على الدولة،لإعادة جماعة الإخوان إلى المشهد،بأى طريقة،ولذلك نسمع بين الحين والآخر،أحاديث الدم الممزوجة بكلام غريب،حول ضرورة العفو عن الرئيس المعزول محمد مرسى،الذى وجهت إليه اتهامات مباشرة، بالخيانة العظمى،والعمالة،ونسمع كلاماً أغرب عن ضرورة، إدماج الجماعة فى الحياة السياسية، واعتبارها جزءاً من خريطة العمل الحزبى، بعد الثورة، التى أطاحت بالجماعة وحزبها ورئيسها!! وكأن ماحدث فى مصر، يوم 30 يونية، لاثورة ولا يحزنون!! ولأن مايحدث فى مصر الآن ليس بعيداً عما يدور فى العراق وسوريا،ولأن جماعة الإخوان لاتختلف كثيراً عن «داعش»،لابد أن نتذكر مصطلحات مهمة،منها أن الثورة تعنى، أن هناك تصحيحاً يجب أن يتم للمسار الخاطئ الذى سرنا فيه منذ 25 يناير وحتى يونية، فلا يجوز السماح بوجود أحزاب دينية،تأتمر بتعليمات الموجه والمرشد والشيخ، وتتلقى التوجيهات لتنفذها، لمصلحة جماعة، من المفترض أنها دعوية، وممنوع عليها العمل فى السياسة، والثورة أيضاً تعنى، أن هناك ملايين الناس خرجت للشوارع،لإعلان رفضها للأوضاع التى كانت موجودة قبل 30 يونية، وبالتالى لا يجوز، استمرار هذه الأوضاع بأى حال،بل يجب تغييرها، لأننا قمنا بالثورة عليها، ولهذا يجب أن نتساءل عن المشروعية الدستورية لبقاء احزاب أساسها دينى وطائفى!! وهل الوطن يتحمل ظهور حزب «مسيحى»على غرار «النور» و«الحرية والعدالة»؟! لسنا مسئولين عن فشل جماعة الإخوان فى طرح نموذج محترم للعمل السياسى، فهى التى سقطت فى الاختبار، وهى التى يجب أن تتحمل النتيجة، مثلما تحملها نظام مبارك وحزبه، أما نحن فلن نقبل استمرار جماعة دعوية،أو تنظيم دينى، فى ممارسة العمل السياسى تحت مظلة حزب آخر، وبتمويل غامض غير معروف.. هناك ثورة، ولمن لايعرف معنى الثورات أن يقرأ التاريخ، ليفهم أن بقاء الأحزاب الدينية فى المسار السياسى أصبح مستحيلاً، إذا كنا نريد بقاء الدولة المصرية!! لاتنس أن الوطن بأكمله وجه نصائح لجماعة الإخوان، وباقى الأحزاب الدينية كى تغير طريقها،وطريقة عملها، ولكن قياداتها كانت لديهم خارطة طريق أخرى،نصحناهم جميعاً بأن يصبحوا جزءاً من الدولة المصرية، ولكنهم أرادوا تحقيق حلم مستحيل، ينتج عنه انصهار مصر العريقة، وتحويلها إلى شعبة فى مكتب الإرشاد!! نصحناهم كثيراً ولم يستمعوا، ولم يفهموا!! الأزمة الحقيقية التى تواجه التنظيمات الدينية التى تعمل بالسياسة، أنها تمتلك منهجاً واضحاً يهدف إلى اختصارالدولة فى التنظيم!!هذا هو المنهج الفكرى الذى يسيطر على عقول كل قيادات الجماعات المختلفة بدءاً من الإخوان مروراً بالجماعة الإسلامية وصولاً للسلفيين.. فالدولة الإسلامية الكبرى هى مشروعهم الذى يحاولون تحقيقه حتى لو مارسوا الكذب والخداع وقلب الحقائق فى مواجهة إخوانهم المسلمين غير المنتمين إليهم!! صحيح أن المناورة وتغيير الاتجاه لأسباب تكتيكية نموذج عمل معروف فى السياسة، ومن حق العاملين فيها أن يتخذوا موقفاً مغايراً لما أعلنوه فى وقت سابق، لكن أزمة التيار الدينى برمته، أنهم يطرحون مشروعهم السياسى، ممزوجاً، ومتداخلاً، ومغلفاً، بمشروع أخلاقى.. فهم يقولون إننا نسير على نهج أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ونعمل بسنته، ونهدف إلى إنشاء دولته.. ولذلك يصطدمون بردود أفعال عنيفة من الناس الذين منحوهم أصواتهم فى الانتخابات، فهم يتحولون إلى الهجوم على هذه الجماعات واحزابها وقياداتها، لأنهم ساندوهم بدافع أخلاقى ودينى، وليس لتقدير سياسى، أو لوزن فعلى، ولايقبل هؤلاء الأنصار من الجماعات الدينية، استخدام الطرق «الميكيافيلية» و«النفعية» التى تم تطبيقها أحياناً على حساب الوطن وتماسكه وتجاوزه للمحن والعراقيل التى تقف فى طريق نهضته الحقيقية. أزمة أخرى تواجه هذه الجماعات، هى الغموض الذى يسيطر عليها، فهى تقريباً، التى لايعرف عنها الناس شيئاً، لاعن طريقة عملها، ولا مصادر تمويلها، ولاحتى تركيبتها التنظيمية، وهذا الغموض جعل قطاعاً كبيراً من المصريين، يخشون وصولهم إلى موقع جديد من مواقع السلطة، خاصة منصب الرئيس، الذى ارتبط فى العقل الجمعى للمصريين، بفكرة التسلط، وجمع كل السلطات فى يد واحدة!! المصريون لن يتقبلوا بعد ماشاهدوه من مآس.. وبعد كل ما مروا به من من أزمات، لن يتقبلوا فكرة سيطرة تنظيم دينى أوجماعة بلا مشروعية قانونية، على حزب سياسى يمتلك الأغلبية، لأن الحزب سيبقى تابعاً، وأعتقد أن هذه التنظيمات لن تقدم على هذه الخطوة أبداً، لأنهم جميعاً يدركون أن قوتهم فى الجماعة وليس فى الحزب الذى ينتظر كل شىء من الجماعة، بدءاً من التمويل وانتهاء باتخاذ القرار، فكل دور الحزب أن يقول « آمين» !! أخيراً.. ستبقى الأزمة الكبرى التى تواجه الإخوان والسلفيين والجماعات السياسية الدينية الأخرى.. هى عدم رغبتهم فى الانصهار داخل الدولة المصرية.. وهناك فارق بين الدولة والنظام.. فالتيارات السياسية المصرية الأخرى، بمن فيها صانعو الثورة، يصرون على تغيير أنظمة الفساد والاستبداد، وإسقاطها، مع الحفاظ على هوية الدولة المصرية،لكن التنظيمات الدينية يزيدون عليهم طلباً آخر، فلا يكفيهم إسقاط النظام، ولكنهم منهجياً يريدون إسقاط الدولة نفسها، ويرغبون فى تغيير هويتها وأسسها، ليبدأوا فى تشكيل دولة جديدة بهوية مختلفة،وهذه المنهجية تجعل هذه الجماعات فى حالة صدام مستمر مع أركان الدولة السياسية الاقتصادية بل والدينية الرسمية!! إذا أردنا تصحيح مسار الدولة والثورة، يجب أن نناقش مشروعية وجود أحزاب دينية.