لعبت مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية دوراً بارزاً فى دعم الجسور بين الثوار التي مهدت لنمو العلاقات السياسية وخلق بيئة داعمة للثورات والاعتصامات، كما نجم عن ذلك أن أصبحت تلك المواقع ضرورة من ضرورات الحياة، بها يتعارف المواطنون علي بعضهم بعضاً، ومن خلالها يتقربون ويتواصلون ويلبون حوائجهم فيما يجري بينهم من حوار ونقاش، ورغم الفوائد المتنوعة، والإيجابيات العديدة التى يحققها التواصل الإنسانى عبر هذه الشبكات سواء على المستوى الفردى، أو المجتمعى، والمتمثلة فى إتاحة المعلومات بلا حدود، أو قيود، وترسيخ المفاهيم الديمقراطية، إلا أن هناك العديد من المخاطر التى تنجم عنها، تصل خطورة بعضها إلى حد تهديد أمن المجتمع والإخلال باستقراره ومنها الدعوة للعنف والتمرد، والحشد للمظاهرات والاضرابات والاعتصامات غير القانونية، والدعوة للخروج على ثوابت المجتمع، كما أنها صارت وسيلة مهمة للتواصل بين الجماعات الإرهابية، ووصولاً إلى طرق تصنيع المتفجرات والقنابل اليدوية، والتحريض علي الانتقام من رجال الأمن الشرفاء، وهو ما جعلها مصدر قلق للجهات الأمنية والمخابراتية. فمع أعقاب تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي حكم مصر فجرت وزارة الداخلية مشروع «القبضة الإلكترونية» على الإنترنت المساحة الأكثر زخماً في المجتمع المصري، وهو المشروع الذي أثار ولا يزال جدلاً واسعاً بين كافة طوائف وفئات المجتمع، ما بين المؤيدين الذين يرونه ضرورة أمنية في الوقت الراهن باستعانة الداخلية لأجهزة الرصد والمراقبة والمتابعة الإلكترونية، والرافضين للقبضة الإلكترونية الأمنية، ويعتبرونها خطوة لتكميم الأفواه، وحظر التعبير عن الرأي في مواقع التواصل الاجتماعي. وربما كانت أكثر الأسئلة إلحاحاً هو إلي أي مدي ستؤثر المنظومة الجديدة على الحريات الشخصية للمواطنين في التعبير والمعرفة وتداول المعلومات.. والغرض من المنظومة الجديدة حماية المجتمع أم عودة لعهود القمع التي عاشتها الجماهير من قبل؟ بدأ استخدام الإنترنت في مصر عام 1992، حين تم تمديد بنية تحتية بين شبكة الجامعات المصرية وشبكة «بت نت» الفرنسية، إلي جانب بدء استخدام شبكة اتصالات الإنترنت.. واقتصر توفير الخدمة وقتها علي جهتين فقط هما شبكة الجامعات المصرية ومركز المعلومات. ومع بداية عام 1994 بدأ مركز المعلومات في إدخال خدمة الإنترنت للوزارات والهيئات الحكومية والمحافظات المختلفة، وتخصصت شبكة الجامعات في إمداد المعاهد الأكاديمية والجامعات بالخدمة. ومع بداية عام 1997 بدأ المركز في خصخصة خدمات الإنترنت من خلال إتاحة الخدمات لعدد من الأشخاص الذين يقومون بدورهم ببيع الخدمة «اي اس بي اس» للشركات الخاصة كمزودين للخدمة للمواطنين والشركات، ومن وقتها توافرت العديد من الشركات الخاصة بتقديم خدمات الإنترنت التي ارتبطت من خلال بوابات «المصرية للاتصالات». من جانبه يري اللواء أحمد عبدالحليم، الخبير في الشئون العسكرية عضو مجلس الشئون الخارجية، أن المتابعة والمراقبة الأمنية علي وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أمراً ضرورياً، حتى ننتهي من قضية الإرهاب بشكل عاجل، خلال المرحلة المقبلة.. وقال إن الأمن القومي المصري فى الوقت الراهن يحتاج إلى اتخاذ الخطوات الجادة نحو السيطرة على شبكات الإنترنت من خلال القبضة الإلكترونية لملاحقة ورصد وتتبع الأفكار الإرهابية والتكفيرية التي تستخدم تلك المواقع لتنفيذ عمليات إرهابية وتخريبية لهدم الوطن ومنها ما وقع فى الأشهر الماضية، مؤكداً أن كل أهداف هذا البرنامج الإلكتروني هو حماية مصر وشعبها من التخريب، مؤكداً أنه لا مساس بحرية الرأى والتعبير، لافتاً إلي أن هذا الأمر معمول به في العديد من دول العالم. وأوضح: أن تطبيق نظام رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي يعتمد على تطوير وتركيب أحدث إصدارات برامج وتطبيقات وأجهزة مشروع المراقبة والرصد والمتابعة، من خلال البحث عن مصطلحات ومفردات بعينها بعد تزويد النظام بها، وهى المصطلحات أو المفردات التي تعد مخالفة للقانون أو مجافية للآداب العامة والخارجة عن نطاق الأعراف والروابط المجتمعية، حيث جرى تجميع الإحصاءات الخاصة بالموضوعات ذات الصلة جنباً إلى جنب، مع اتجاهات النمو فى المواضيع الأقل تداولاً، بما يمكن جهة الإدارة المختصة من اتخاذ القرار وتقديم تقارير عن موضوعات النقاش الهامة المتداولة ومن ثم تحليل آراء واتجاهات أعضاء الشبكة الاجتماعية، والتعرف الى الأشخاص الذين يمثلون خطرا على المجتمع، لافتاً فى الوقت نفسه إلى أن النظام الجديد مركزي متكامل مع المنظومة الأمنية المنفذة فى جهات الوزارة، فى إطار من التأمين الكامل لقاعدة البيانات بما يحول دون اختراقها. انتهاك للحرية أما أحمد عز العرب، نائب رئيس حزب الوفد، فقد أبدي اعتراضه علي مشروع القبضة الأمنية الإلكترونية لأنه سيمثل انتهاكاً للحريات الشخصية لما يعمل علي مراقبة الفيس بوك وتويتر ويوتيوب والصحف التي تظهر على النت، وأيضاً برامج المحمول مثل الحوارات والمناقشات التي تجرى بين الاشخاص عبر واتس آب وفايبر، لذا فهو أمر مرفوض تماماً شكلاً وموضوعاً. وأضاف: أنه وفقاً للدستور لا يجوز اختراق خصوصية أي شخص أو متابعته، إلا بقرار من النيابة العامة أو المحكمة، ومن حق الدولة أن تحمى المجتمع من الإرهاب والأفكار الخاصة بتصنيع القنابل وما شابه، دون اختراق الحياة الخاصة للأفراد، فالمفترض أننا فى دولة قانون تحتم رقابة السلطة القضائية على السلطة التنفيذية، وفي حالة مخالفة ذلك يجوز الطعن علي قرار «الداخلية» بعدم دستورية هذا المشروع الجديد، وسيكون الحكم فيها مضموناً، وبالتالي يمكن إلغاء هذا البرنامج، خصوصاً أنه يمثل مخالفة للدستور. وأكد نبيل ذكي، أمين الشئون السياسية والمتحدث باسم حزب التجمع أن الدولة المصرية من حقها اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية أمن الوطن، ولكن دون اتخاذ إجراءات من شأنها القيام بمتابعة أمنية تنتهك حرية التجمع والتعبير بالشكل السلمي، فيما يأتي استكمالاً لشكل الدولة القمعية فى النظام الجديد للدولة. أما الدكتور محمود خليل، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، فيري أن الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي تمثل تقويضاً لحريات المواطنين، ومحاولة للقضاء على مكاسب ثورة 25 يناير، وحرية الرأي فى مصر، وسيقود مصر نحو الدولة البوليسية ، وإنه من غير المعقول بعد ثورتين أن تتم مصادرة الفكر أو الرأي. ويواصل: وزارة الداخلية لديها قناعة كاملة بأن الإنترنت لعب دوراً أساسياً علي المستويين الواقعي والافتراضي في إشعال ثورة 25 يناير 2011، والدعوة للنزول في هذا اليوم التاريخي الذي جاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ثم بعد ذلك التحركات التي أعقبت النزول والإطاحة بالسلطة الديكتاتورية، وهو ما أحدث قلقاً من جانب وزارة الداخلية من تكرار ما حدث مرة أخري، لذا تحاول الآن ترتيب بعض الاجراءات التي تحمي المجتمع من بعض الأنشطة التخريبية التي يمكن أن يقوم بها أشخاص أو مجموعات معينة محل اشتباه، يعتمدون في مخططاتهم علي الإنترنت كأداة أساسية للتواصل فيما بينهم لتحديد توجهاتهم، كما أنها تحرص علي تجفيف منابع الثورة إذ صح التعبير، فالهدف من فرض الرقابة الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي التي لجأ إليها المصريون في السابق – في هذا التوقيت – هو ترويع المعارضين، وتأمين الأوضاع للرئيس الحالي، كي لا تشهد مصر موجة ثالثة من الثورة. ويضيف «خليل» بلهجة ساخرة: يحتاج هذا البرنامج إلى إنفاق مئات الملايين من الجنيهات لتوفير نظام ضخم ومحكم، وتشغيل جيش من الباحثين والمحللين، مما سيهدر الكثير من أموال الدولة، وفي النهاية سينتهي الأمر إلى متابعة أشخاص محدودين من مستخدمي الإنترنت، وهو الأمر نفسه الذي كان يتم في السابق دون كل هذه النفقات، فأي فائدة ستعود عليهم من متابعة هذا الكم الهائل من المعلومات التي تتدفق يومياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ ويصر «خليل» علي أن هذا المشروع يخالف الدستور والقانون وجميع المواثيق الدولة، خصوصاً وأن ظهوره مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة البلاد، يؤكد أن القبضة الأمنية وسياسة تكميم الأفواه ستكون السياسة المقبلة في التعامل مع المصريين، بينما ينبغي أن تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها ، بشكل تعسفي، وينظم القانون والدستور ذلك. قمع واستبداد الدكتور صفوت جرجس، مدير المركز المصري لحقوق الإنسان، قال: مثل هذه الإجراءات غير قانونية ومخالفة للدستور، وتمثل تقييداً للحريات الفكرية وانتهاكاً لمبدأ الخصوصية، كما تعتبر خطوة غير مسبوقة فى اتجاه القمع والاستبداد. وأكد أن حقوق جميع المواطنين محمية وفقاً للمادة 57 من الدستور، التي تنص على «للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس، وللمحادثات الهاتفية والمراسلات البريدية، والإلكترونية، والبرقية، وغيرها من وسائل الاتصال المختلفة، سريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي ينص عليها القانون، وحتى إذا ما كنا نعيش أشد المراحل خطورة، وأثناء محاربة الإرهاب يجب أن تلتزم الأجهزة الأمنية بالقانون والدستور، وألا تتعدى على الحقوق الشخصية للمواطن التي كفلتها الأعراف والمواثيق الدولية، كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفى، وينظم القانون ذلك». فيما يؤكد محمد رشاد، الكاتب الصحفي ورئيس اتحاد الناشرين المصريين، ضرورة وجود آلية واضحة للتنفيذ بالمحافظة على خصوصية المواطن، والتأكد من تفعيل صيغة واضحة لرصد الجرائم والتهديدات الأمنية من دون خرق الخصوصية، فتتبع صفحات الإرهابيين شيء مهم جداً، قد يساهم في تجفيف منابع الإرهاب وتتبع مصادر التمويل الإرهابي، ولكن هناك ضرورة لتقنين الأمر، وأن يكون الرصد والمراقبة بإذن قضائي، حتى لا يتم التنكيل بالمعارضين، ونحن نرى أن المتابعة والمراقبة الإلكترونية أصبحت أمراً ضرورياً في المرحلة المقبلة، لتجفيف منابع الإرهاب والتطرف الديني. وشدد «رشاد» على ضرورة وجود جهة محايدة تتولي مسئولية إصدار التصريح بمراقبة أحد المواطنين بعد توافر أدلة كافية علي تورطه في قضايا ضد الأمن القومي، مشيراً إلى أن وزارة الداخلية يجب ألا تكن صاحبة القرار في هذا الشأن. مضيفاً أن شبكة الإنترنت تحوي في طياتها المفيد أكثر من الضار ، وهنا يجب إرشاد الأبناء للاستفادة منها بشكل إيجابي لما يضم نشر العلم النافع والاستفادة منه في الأبحاث العلمية والإعلان عن محاضرات العلماء ومتابعتها عبر الإنترنت والتعرف علي أحدث التقارير والدرسات والإحصاءات في مختلف المجالات وسهولة الاتصال بالعلماء لأخذ الفتوي عنهم والاستنارة بآرائهم.