- نشر الدكتور «وحيد عبدالمجيد» مقالاً بجريدة الأهرام بتاريخ 10/6/2014 تضمن تشويهاً لصورة زعيم الوفد والأمة «سعد زغلول» رحمه الله.. وانتقاصاً من قدر الرجل بلغ حد الزراية به أمام الأجيال الجديدة بلا موجب معقول. وأود أولاً أن أؤكد للدكتور أنني لست ممن يؤلهون الزعماء ولا يهابون الشخوص لأسمائهم وسعد زغلول ليس فوق النقد. ولا أصادر كذلك حق الدكتور في أن يحب «سعد زغلول» أو يكرهه، ولا أنكر عليه أن يبدل مذهبه السياسي، فالإنسان يبدل عقيدته الدينية أفلا يبدل مذهبه السياسي. لكني أنشدك ضميرك هل ما جاء في مقالك من تسفيه وتسخيف للزعيم «سعد زغلول» مما يدخل في باب النقد الموضوعي أو التقييم التاريخي المنصف؟ الجواب.. لا.. بطبيعة الحال لذا نقول.. لا.. ليس سعد زغلول الذي صنع تاريخاً مجيداً سطر بحروف من نور في سجله المشرف ممن يصدر فيهم حكم الإعدام بجرة قلم منك أو من سواك. كيف وسيرة الرجل منشورة غير خافية علي أحد فلنرد بدورنا علي ما جاء في مقالك فقلما نجد الآن من ينتفض لينصر حقاً أو ليدحض باطلاً أو يغار علي حقيقة. أبي الدكتور وحيد إلا أن نعود لنجتر أحداث الماضي عبر مقاله الهروبي إذا جاز التعبير. ذلك الذي ينتزعك انتزاعاً من الواقع المعاش محاولاً بذلك الربط الوهمي بينه وبين الواقع السياسي الحالي لا لشىء إلا لينال من «سعد زغلول» ولأشياء أخري في نفسه. فراح ينقب بإبرة في أسفار التاريخ ووسط أضابيره كما حاول أن يوهم القارئ بذلك في مقاله المتهافت. فماذا قال الدكتور في مقاله. قال: ليس معقولاً أن تكون طريقة الزعيم «سعد زغلول» المتعالية تجاه شباب ثورة 1919 وطلابها كما غيرهم قدوة لنا اليوم بأي حال. ويقول فلكي تكون أي مقارنة عبر الزمن موضوعية ومنتجة، لا يمكن إغفال المتغيرات التي حدثت فقد تضاعفت نسبة الشباب (من 15 إلي 30 عاما) عدة مرات إجمالي المصريين فالمجتمع المصري الآن شاب وفتي بخلاف ما كان عليه قبل قرن من الزمن. ويقول في موضوع آخر.. حتي إذا نسينا هذا كله واعتبرناه كأن لم يكن فالزعيم سعد زغلول ليس من بين القادة الذين يقتدي بهم في تعاملهم مع الآخرين صغاراً وكباراً رغم كل عظمته! فقد تعامل مع الكبار قبل الشباب باعتباره فوق الجميع واخترع تعبير حق الزعامة لتبرير تعاليه واحتكاره القرار والخيار. ويقول في موضع آخر إن سعد لم يتسامح مع رأي خالفه، ولذلك فعندما اختلف معه معظم أعضاء الوفد عصف بهم متذرعاً ب «حق الزعامة» وجاء بغيرهم فهو بحكم تكوينه لم يكن يطيق لا حماس الشباب المتشدد ولا حكمة الكبار المعتدلين، ولذلك يصعب أن نعتبره نموذجاً في القيادة حتي في عصره ناهيك عن زمننا. هذا نص ما جاء في مقال الدكتور وحيد هل تريد أن تقنع نفسك قبل أن تقنع القارئ بأن زعامة سعد كانت نموذجاً سيئاً ومرفوضاً في عصره ناهيك عن عصرنا. أهذا الذي كتبته يمكن أن ينطلي علي عقل طفل لا إنسان مثقف قرأ تاريخ بلاده لا سيما تاريخ «سعد زغلول» ذلك الذي كان معبوداً عند الشعب المصري بمختلف فئاته وطوائفه من فلاحين وعمال وطلاب ومثقفين ومسلمين ومسيحيين. أتريد أن تقنعنا بأن زعيماً في مثل مكانة سعد أشعل ثورة من منفاه وخرج الآلاف من الشباب والكبار والفتيات والنساء فاتحين صدورهم لرصاص جنود الاحتلال البريطاني واستشهدوا وهم يهتفون باسم مصر وباسم الزعيم خالد الذكر «سعد زغلول» وهم في نفس الوقت يكرهون تعاليه واستبداده؟!! واحتكاره القرار والخيار علي حد تعبيرك! أكانوا مخدوعين يا تري في سعد أم أنهم كانوا يستعذبون احتقاره لهم وتعاليه عليهم، ألا تدرك أنك بذلك لا تسيء لسعد زغلول فحسب بل تهين الشعب المصري بأسره!! رحم الله الأستاذ العقاد حين قال في سفره النفيس «سعد زغلول سيرة وتحية» جملة ما يقال في هذه الشخصية الكبري أنها شخصية رجل جدير بالإكبار جدير بالحب والولاء، شخصية إنسان مهيب محبوب في مواقف الزعامة والنضال لقد أحب الشعب المصري «سعد زغلول» حب التقديس وهتف بحياته المسوقون إلي الموت وهم علي مصاريع المشانق وفي غياهب السجون. ألا تري يا دكتور أنك قد بلغ بك الاستخفاف بعقل القارئ قولك إن سعد ليس من بين القادة الذين يقتدي بهم رغم عظمته!! فما هو إذن سر وموضع عظمته التي تقر له بها بعد كل هذا الذي كتبته. ألم تقرأ ما قاله الزعيم الهندي «غاندي» عن «سعد زغلول».. إنني تتبعت سيرة هذا الرجل القدير من سنة 1919 إلي الآن، ولا يزال له في نفسي كل التقدير والاحترام وأثره العظيم وأنا أعده قدوة وأراه بمثابة أستاذ، إني اقتديت بسعد في إعداد طبقة بعد طبقة وعن سعد أخذت توحيد العنصرين ولكني لم أنجح كما نجح فيه. إن سعداً ليس لكم وحدكم ولكنه لنا أجمعين، وتأتي أنت يا دكتور لتتصيد قصة متهافتة تحدث كل يوم في الحياة السياسية والحزبية لا تزيد علي كونها خلافات في وجهات النظر بين رئيس الحزب وأعضائه لتبني عليها حكمك باستبداد سعد وديكتاتوريته فتقول كان يعصف بخصومه في الرأي وكأن سعد أمر بنفيهم خارج حدود البلاد كما نفي هو وزج بهم في السجون والمعتقلات كما فعل غيره من الزعماء الفاشيين والنازيين. سعد زغلول الذي كتب وهو في العشرين من عمره في الوقائع المصرية صحيفة الحكومة يشهر بالاستبداد ويحض الناس علي دفعه ويستشهد بقول النبي صلي الله عليه وسلم: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا علي يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده، ويروي عن جمال الدين الأفغاني أنه أمر تلاميذه بالكتابة في موضوع الحرية فكان سعد أحسنهم كتابة في هذا الموضوع، فقال الأفغاني إن من علامة نشأة الحرية ألا يجيد الكتابة فيها إلا ناشئ كهذا الفتي. إن «سعد زغلول» يا دكتور وحيد لم يكن من أصحاب المشاريع السياسية التي تنتهي بموت صاحبها. كما حدث مع الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» فيما يخص العدالة الاجتماعية لاسيما بعد أن جاء بعده من انقلب علي مشروعه!! وإنما زعامة «سعد زغلول» تتبدي في أجلى صورها في أنه وضع أسساً وأرسي دعائم أمة بأسرها بما بثه في أبناء أمته من قيم ومبادئ ومثل عليا لا يمكن لأمة من الأمم أن يستقيم حالها بدونها ألم تقرأ العقاد في كتابه الخالد وهو يقول.. إن غاندي كان خير زعيم في الهند لأنه ناسك وكمال أتاتورك كان خير زعيم في الترك لأنه جندي من أمة الجنود، وسعد كان خير زعيم في مصر لأنه فلاح من أمة الفلاحين فقد استطاع أن يجمع حوله السواد والعالية من أبناء الفلاحين وهم قوام الأمة المصرية، ولأنه كان صديقاً لقاسم أمين علي رأيه في تهذيب المرأة فقد استطاع أن يقود النهضة الأولي التي اشترك فيها الرجال والنساء وشملت الأمة كلها واستطاع أن يمحو الفوارق الدينية والعصبية المذهبية في الحركة الوطنية، لأن المسيحيين قد علموا أنهم شركاء في دعوة واحدة. أليس هذا الذي كرس حياته من أجله الزعيم «سعد زغلول» المناضل الذي ظل حتي الرمق الأخير يدافع عن حرية بلاده واستقلالها أليس كل هذا الذي وضع أسسه الزعيم قد تم التفريط فيه علي أيدي الأنظمة الفاسدة ومعهد المتطرفين والمتشددين الذين أرادوا تفتيت وحدة الوطن وتمزيقه. وحقوق المرأة وحقوق المواطنة أليست كل هذه الحقوق هي ما نطالب بتحقيقها اليوم!! ومع ذلك تعاميت عن كل ذلك ورحت تشوه سيرة زعيم خالد وتهيل علي سيرته التراب!! صدق الفيلسوف الألماني «هيجل» حين قال: الرجل العظيم يجشم الدنيا مشقة فهمه!!