د . محمد السعيد إدريس بقدر ما أشاعت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تركيا من أجواء تفاؤلية حول مستقبل العلاقات بين البلدين واحتمالات لتفاهمات مشتركة حول القضايا الإقليمية الساخنة والمتشابكة وعلى رأسها الملفات الثلاثة الساخنة: سوريا ومصر والخليج، بقدر ما أربك تقدم مليشيات منظمة "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) المفاجئ والصادم في العمق العراقي حسابات البلدين، خصوصاً بعد اعتقال القنصل التركي في الموصل مع عدد من المواطنين الأتراك، وتزايد المخاوف من احتمال اعتداء قوات (داعش) على مرقدي الإمام علي الهادي (الإمام العاشر) والإمام الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر) والد الإمام المهدي الغائب والمنتظر عند الشيعة الاثني عشرية . السؤال المهم بهذا الخصوص هو: هل يمكن أن تفرض هذه التطورات الخطرة التي ستكون لها امتداداتها الحتمية على الأزمة السورية تحديات يمكن أن تفشل نجاحات زيارة روحاني الأخيرة لأنقرة (9-10 يونيو/حزيران الجاري) أم على العكس، يمكن أن تكون الدعوة للحرب على الإرهاب ومواجهة مخاطر احتمال سيطرة "داعش" على العراق دافعاً لتعميق التعاون الاستراتيجي إلى جانب التعاون الاقتصادي الذي حظي بالأولوية خلال زيارة روحاني لأنقرة على نحو ما حظي بالأولوية خلال زيارة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان لطهران (28-29 يناير/كانون الثاني 2014) . عندما ذهب أردوغان إلى طهران كان يريد الاقتصاد من خلال التوقيع على اتفاقية للتجارة التفضيلية، وبحث سبل الحصول على الغاز الطبيعي الإيراني بأسعار أفضل، وتأسيس العلاقات بين البلدين على أساس "الربح المتبادل" كما أنه حصل على مكسبين مهمين من طهران من دون أن يقدم أية تنازلات في الملف السياسي وبالذات الملف السوري . فقد وقع وثيقة تأسيس مجلس أعلى للتعاون الاستراتيجي الذي يضم أعضاء حكومتي البلدين وحصل على وعد إيراني بزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 30 مليار دولار عام 2015 . وعندما ذهب روحاني إلى أنقرة لم يغير الأتراك أولوياتهم كثيراً حيث طغت الملفات الاقتصادية على اهتماماتهم، وحاولوا، قدر الإمكان، مجاملة الإيرانيين في مسعاهم للتعاون السياسي والاستراتيجي وخاصة الحرب على الإرهاب وتليين الموقف التركي من الرئيس السوري بشار الأسد الذي تعمد روحاني أن يعلن في مؤتمره الصحفي مع أردوغان أنه "هنأ الرئيس السوري بشار الأسد بإعادة انتخابه"، ودعا إلى "احترام إرادة الشعب السوري في خياراته السياسية" . كان الرئيس التركي عبدالله غول صريحاً في موقفه خلال لقائه مع الرئيس الإيراني حيث أكد أن بلاده تطمح إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري بين طهران وانقرة إلى 30 مليار دولار (المطلب نفسه الذي أعلنه أردوغان في طهران) . وقال غول: "إن تطوير العلاقات بين تركياوإيران يترك آثاره في المنطقة برمتها" . وفي لقاء الرئيس الإيراني روحاني مع رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان في طهران كان روحاني حريصاً على أن يؤكد أن "تعزيز التعاون الإيراني - التركي سيتسبب بالعقم للنشاطات الإرهابية إذ كانت الحرب على الإرهاب أولوية في مباحثاته مع أردوغان، وكان تعريفه للإرهاب الذي يعنيه هو "الإرهاب داخل سوريا الذي تمارسه منظمات إرهابية" . أردوغان كان يستمع لكنه كان غير مقتنع وهو ما عبر عنه بوضوح وهو في طريق عودته من طهران إلى أنقرة عند إجابته عن سؤال حول مدى حصول تغير في الموقف التركي من سوريا فقال: "إن الموقف الإيراني من سوريا يختصر على الشكل التالي: من دون اقتلاع التنظيمات الإرهابية ومن دون منع دخول الإرهابيين إلى سوريا، ومن دون قطع الدعم المالي للإرهابيين فلا معنى للحديث عن خروج (الرئيس السوري بشار الأسد) من الحكم"، وأضاف: "لقد أجبنا عليهم بالقول: إن هذه المنظمات الإرهابية لم تكن موجودة في سوريا قبل ثلاثة أعوام، ولقد تشكلت هذه المنظمات بالتعاون مع الأسد، توجد حاجة ماسة لتغيير في السلطة يستند إلى الإرادة الشعبية، ولا نرى صحيحاً مقولة إنه من دون خروج المنظمات الإرهابية لا يمكن تحقيق ذلك" . هكذا كان موقف أردوغان رافضاً إعطاء الأولوية للحرب على الإرهاب في سوريا كما يطالب الرئيس الإيراني، وفي زيارة روحاني لأنقرة منذ أيام وقبل يوم واحد من دخول مليشيات "داعش" إلى الموصل والسيطرة عليها وتوسع انتشارها في المحافظات الشمالية الغربية من العراق والشمالية الشرقية من سوريا استعداد "لإعلان دولتهم في تلك المنطقة الواسعة العراقية - السورية، كان الرئيس الإيراني على إصراره وتقديره السابق لمركزية خطورة المنظمات الإرهابية، لذلك أكد في لقائه مع الرئيس التركي عبدالله غول أن "الاضطرابات موجودة في منطقتنا، وإيرانوتركيا عقدتا العزم على زيادة تعاونهما لتحقيق الاستقرار في المنطقة" . وأضاف: "مكافحة العنف والتطرف والصراعات الطائفية والإرهاب هي هدف إيران الرئيسي" . قراءة ردود فعل القادة الأتراك تكشف عن تفهم محدود لمخاطر الإرهاب كما ورد في كلمة الرئيس التركي عندما قال: "نرغب معاً في إنهاء المعاناة في المنطقة ونعتزم التوصل إلى ذلك، ويمكن للجهود المشتركة لتركياوإيران أن تقدم مساهمة كبرى في هذا الصدد . لكن كم كان لافتاً دعوة الرئيس التركي لتكون العلاقات بين البلدين تركياوإيران كما هي العلاقات بين فرنسا وألمانيا . أحلام وآمال تواجه تحديات هائلة أبرزها الآن خطر احتمال سيطرة "داعش" على العراق، أو على الأقل إقامة دولتها على المناطق التي تسيطر عليها في العراقوسوريا وتعلنها نواة لدولة الخلافة الإسلامية؟ هل سيحدث تنسيق إيراني - تركي لدعم الحكم العراقي برئاسة المالكي؟ هل ستدخل قوات إيرانية وتركية إلى العراق أم أن التضحية بالمالكي يمكن أن تكون فرصة الإنقاذ الوحيدة لحماية النفوذين الإيراني والتركي في العراق عبر تسوية سياسية . أسئلة مهمة تكشف أن العراق وأحداثه سيكونان ورقة التحدي والاختبار الصعب لعلاقات إيرانوتركيا والحكم على نجاح أو فشل زيارة روحاني لتركيا، وبالذات إذا صدقت المعلومات التي تقول إن القوات والمليشيات التي تجتاح الآن محافظاتالعراق ويحتمل أن تصل إلى بغداد ليست كلها "داعش" بل إنها تحالف "داعش" مع فصائل مهمة في المقاومة العراقية عندها لن يحدث التوافق الإيراني - التركي .