فى انتظار العاصفة والجدل الذى لن ينتهى حول أحقية الغرب فى التهام أروع إبداعاتنا وإرثنا الثقافى، فى ظل حالة الغيبوبة التى نعيشها فى عالمنا العربى. وربما كان ذكاء من سلمى حايك أن تأخذ دفة حالة الجدل التى ستحدث بإنتاجها مؤخراً كتاب «النبى» لجبران خليل جبران فى فيلم كارتون عندما قدمته بقولها: أولادكم ليسوا أولاداً لكم. إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم... من هذه الحكمة للكاتب اللبنانى جبران خليل جبران، أعلنت النجمة المكسيكية سلمى حايك أفكارها، بإنتاجها فيلم «النبى» الذى ألفه «جبران» فى بدايات القرن الماضى، ويشارك فى إنجازه عشرة مخرجين من العالم بينهم مرجان ستربى من إيران ومحمد حريب من الإمارات وجان سفار من فرنسا وتوم مور وبيل كلينتون من بريطانيا والمخرجة ليزا أزيولوس من الولاياتالمتحدة.... وربما يكون هذا العمل بمثابة استكمال لمسيرة «جبران» الذى كان ممثلاً ومندوباً خاصاً لروحانية الشرق العربى فى بلاد الغرب، فغير عوالم الغرب بثورته الروحانية السامية، حيث أسس روحانية فى المهجر وأرسى بناءها بجدارة مما جعل الرئيس الأمريكى «روزفلت» يقول: «إن جبران خليل جبران أول عاصفة تجتاح الغرب». ويتصدر «النبى» قائمة الكتب الأكثر مبيعاً فى العالم، حيث يحتل المرتبة الثالثة بعد كتب شكسبير ولاوتسو، وقد تأثر به الكثيرون فى الغرب والشرق من أمثال الرئيس الأمريكى جون كيندى ومن الفنانين فريق «البيتلز» البريطانى.. وقد اتفق نقاد الغرب أن كتاب «النبى» هو أعظم كتاب قدمته اللغة الإنجليزية، وقد تميز بالنقاء الروحى، واستطاع بسحره الروحانى التربع فى ضمير العالم الغربى وترجم إلى أكثر من خمسين لغة، وهو يعتبر بحق رائعة جبران العالمية. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن: هل يستطيع فيلم كارتون مهما كان إنتاجه ضخماً توصيل المضمون الاجتماعى المثالى والتأمل الفلسفى للكون الذى يحوى خلاصة الآراء الجبرانية فى الحب والزواج والأولاد والبيوت والثياب والبيع والشراء والحرية والرحمة والعقاب والدين والأخلاق والحياة والموت واللذة والجمال والكرم والشرائع وغيرها... ففى كتاب النبى عبر «جبران» عن آرائه فى الحياة عن طريق معالجته للعلاقات الإنسانية التى تربط الإنسان بالإنسان.... السؤال لن تكون إجابته الآن، رغم أن الجزء الذى طرحته سلمى حايك من فيلم «النبى» نال إعجاب الكثيرين.. وقالت عنه سلمى حايك: إن جمالية هذا العمل لا حدود لها، وإنه سيقدّم درساً مفصلاً وسهلاً لكتاب «النبى» الأكثر شهرة فى العالم، من خلال فتاة صغيرة عمرها ثمانى سنوات، تلتقى المصطفى السجين السياسى فى جزيرة متخيلة، وتعيش مرحلة التحول لدى بطل الرواية بعد إطلاق سراحه من قبل حاكم الجزيرة، وكيف يستطيع المصطفى مساعدة الناس لحياة أفضل.. واستكمالاً لحالة الإبهار التى يريدونها للفيلم يشارك فى تسجيل الأصوات على الشخصيات الكرتونية ممثلون كبار من بينهم سلمى حايك وليا نيسون الذى يؤدى صوت النبى بالإضافة إلى كلّ من ألفريد مولينا وجان كازينسكى وفرانكلين ييلا.. والطريف أن سلمى حايك حاولت إرسال رسالة للذين سيرون أن هذا سطو على التراث الإبداعى العربى عندما قالت: «أنا لبنانية أيضاً وفخورة بأنى امرأة تنتمى إلى البلدان العربية»، لذلك عندما أصبحت لى القدرة على إنتاج الفيلم، كانت مناسبة لأقدم رسالة حب إلى جزء من الإرث الذى أحمله». وأهدت الممثلة الفيلم إلى جدها وإلى ابنتها، قائلة: «فقدت والدى للأسف وأنا فى السادسة فقط، لكنى لطالما رأيت الكتاب الصغير بجانب سريره وأتذكر غلافه بشكل واضح تماماً على الرغم من صغر سنّى، فى ذلك الوقت لم يربطنى أى شىء بالفلسفة وقتها، لكنّى وبعد سنوات حين بلغت الثامنة عشرة ربّما، بحثت عن الكتاب لاتعلم منه الكثير عن الحياة». وأكدت سلمى حايك أن كل مخرج سينجز فصلاً من فصول الكتاب، بينما يتولّى مخرج آخر ترتيبها كى تبدو جميع الفصول التى أنجزها مخرجون مختلفون، وكأنها فيلم واحد.. وبعيداً عن الجدل حول إنتاج الغرب للكتاب، نحن فى انتظار رؤيته، وخاصة أن هناك تقنيات جديدة استخدمت فى تنفيذ فيلم «النبى»، إلى جانب سحر موسيقى الشرق التى ترافق الفيلم، وهى للموسيقار اللبنانى جابريال يارد الذى اعتمد على أفكار وحكم شخصية المصطفى فى الكتاب. يقول جابريال: سلمى حايك جذورها لبنانية وأنا أيضاً، وهذا المشروع قريب من قلبى، لأنه كتاب النبى وفيه سحر الشرق كله.... ومن المعروف أن (النبى) ل(جبران) غير عنوانه أربع مرات قبل أن يبدأ بكتابته. ومن عام 1919 إلى عام 1923، كرس جبران جل وقته لهذا العمل، الذى اعتبره حياته و«ولادته الثانية»... «النبى» كتاب مميزاً جداً من حيث أسلوبه وغنى بالصور التلميحية، والأمثال، والجمل الاستفهامية التى تهدف على تأكيد الفكرة نفسها، فمن يستطيع أن يفصل إيمانه عن أعماله، وعقيدته عن مهنته؟، أو ليس الخوف من الحاجة هو الحاجة بعينها؟. «النبى» هو كتاب فى التفاؤل والأمل. وبطريقة شاعرية، وأسلوب سلس، يقدم لنا «جبران» فيه رسالة روحية تدعونا إلى تفتح الذات و«إلى ظمأ أعمق للحياة». وهذا ما يريد أن يطرحه الفيلم... فنرى جبران فى «النبى» يتكلم عن الحب على لسان حكيمه؟. عندما طلبت منه المرأة العرافة، خطبة فى المحبة، قال: «المحبة لا تعطى إلا نفسها، ولا تأخذ إلا من نفسها. المحبة لا تملك شيئاً، ولا تريد أن يملكها أحد، لأن المحبة مكتفية بالمحبة». ولما طلبت رأيه فى الزواج، أجاب: «قد ولدتم معاً، وستظلون معاً إلى الأبد. وستكونون معاً عندما تبدد أيامكم أجنحة الموت البيضاء.. أحبوا بعضكم بعضاً، ولكن لا تقيدوا المحبة بالقيود.. قفوا معاً ولكن لا يقرب أحدكم من الآخر كثيراً: لأن عمودى الهيكل يقفان منفصلين، والسنديانة والسروة لا تنمو الواحدة منهما فى ظل رفيقتها». وفى الأبناء، يقول: أولادكم ليسوا أولاداً لكم. إنهم أبناء وبنات الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم. ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكاً لكم». وفى العمل: «قد طالما أُخبرتم أن العمل لعنة، والشغل نكبة ومصيبة. أما أنا فأقول لكم إنكم بالعمل تحققون جزءاً من حلم الأرض البعيد، جزءاً خصص لكم عند ميلاد ذلك الحلم. فإذا واظبتم على العمل النافع تفتحون قلوبكم بالحقيقة لمحبة الحياة. لأن من أحب الحياة بالعمل النافع تفتح له الحياة أعماقها، وتدنيه من أبعد أسرارها». وأخيراً هل يستطيع فيلم كارتونى بعد 83 عاماً من وفاة «جبران» تقديم ما أراد توصيله من معانٍ للحياة الجميلة؟.. سؤال مؤجل إجابته إلى عرض النسخة الكاملة من الفيلم.