ممكن تستحملنى لمدة ثلاث دقائق؟، أريد أن أشرح لك أسباباً لبطلان قانون الانتخابات البرلمانية الذى أعده كبار رجال القانون فى مصر!! الدرس الأول الذى يتعلمه طلاب كلية الحقوق،عند التحاقهم للدراسة بها،عبارة عن جملة يحفظونها عن ظهر قلب، تشرح خصائص القاعدة القانونية، تقول الجملة البسيطة، السهلة، الموجزة إن «القاعدة القانونية عامة ومجردة» والمقصود هنا أن قواعد القانون لا تقصد عند صدورها شخصاً بذاته كما لا تتناول واقعة محددة و إنما هي توجه بصيغة عامة ومجردة لجميع الأشخاص والوقائع.. هذه هى خصائص القاعدة القانونية التى خالفتها اللجنة المسئولة عن إعداد مشروع قانون انتخابات مجلس النواب،والتى تضم أساطين القانون وأعلامه!! اللجنة قامت بمخالفة صريحة،للقواعد القانونية،فقد منحت فئات محددة فى المجتمع الحق فى النجاح خلال الانتخابات،من خلال نسبة محددة لهم فى القوائم الحزبية «التى تمثل 20% من المقاعد» تحت زعم أنّ الدستور منحهم هذا الحق!! ماشى.. الدستور منح السيدات والشباب والأقباط والعمال والفلاحين وذوى الاحتياجات الخاصة والمصريين فى الخارج حقوقاً دستورية، وسوف نوافقكم الرأى فى ذلك،ولكن أين عمومية القاعدة القانونية وتجردها أيها الأساتذة الكبار!! أنتم هنا تطبقون القاعدة على20% فقط من المقاعد،وتركتم 80% منها مخصصة للنظام الفردى،دون تطبيق قاعدة «الكوتة» عليها!! هنا القاعدة القانونية ليست عامة ولامجردة،لأنكم لم تطبقوها بعمومية على كل المقاعد، وكل المرشحين، وليست مجردة لأنكم قمتم بتخصيص الحق، فى عدد من المقاعد، لصالح فئات محددة من المجتمع، على حساب أحد نموذجين من طرق الانتخاب، وهو القائمة، لصالح نموذج آخر احتفظ بمقاعده كاملة، دون تخصيص،هو النظام الفردى!! فأصبح نظام القائمة صاحب المقاعد الأقل، يتحمل وحده تطبيق النص الدستورى،فى حين تركنا النظام الفردى يزهو بنفسه بدون أى أعباء دستورية تقلل من فرص المرشحين على مقاعده من الرجال الأصحاء المسلمين من غير العمال والفلاحين الذين لاينتمون لسن الشباب ولايعيشون فى الخارج!! هذا هو موضع الخلل القانونى الذى ينسف النسب التى حددتها اللجنة، دستورياً، أما الخلل السياسى والمجتمعى لا ينتهى، فهذا القانون الذى تم تفصيله على مقاس أصحاب رؤوس الأموال،لايمكن أبداً أن يحقق الاستقرار لأنه يهدد السلام الاجتماعى، ويهدم النظام الحزبى!! أولاً هذا القانون يقول بصراحةأن الانتخابات تم تعميمها لصالح أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، ولذلك تم تخصيص 80% من مقاعد البرلمان لهم، فالانتخابات البرلمانية الفردية لايستطيع خوضها سوى من يمتلك ملايين الجنيهات التى يمكنه الاستغناء عنها فى معركة انتخابية يصل سقف الإنفاق المرئى والخفى فيها إلى 5 ملايين جنيه فى المتوسط!!وهذه طبقية يرسخها مشروع قانون الانتخابات الجديد، ورسالة سلبية للمجتمع،بأن المرحلة القادمة لاتختلف عن سابقتها، حيث تظل الأموال هى المحرك الرئيسى للأحداث، وتبقى الملايين هى العامل الحاسم فى المنافسة السياسية، وليس الأفكار، والبرامج،والمبادىء!! أما الخلل السياسى والمجتمعى الثانى، فموضعه فى تفجير الأحزاب من الداخل،لأن هذه الكوتة تعنى خلافات بين ممثلى كافة فئات المجتمع،فقد خلقنا صراعاً حزبياً داخلياً على الترشح فى القوائم بين السيدات، والشباب، والعمال، والفلاحين، والأقباط، وذوى الاحتياجات الخاصة،بل وبين أعضاء كل حزب ممن يعيشون فى الخارج!! وبعد ذلك نسمع كلاماً مستفزاً يدعى أن النسبة المخصصة للقائمة تستهدف تقوية الأحزاب ودعمها، رغم أن كل الشواهد تقول أن هذا القانون مخطط لضرب الأحزاب وتفجيرها من الداخل!! ولا أعرف حتى الآن لماذا لاندعم النظام الفردى أيضاً ونمنحه شرف تمثيله بالأقباط والمرأة والشباب وذوى الإحتياجات الخاصة؟! ولا أعرف أيضاً لماذا لانخصص عدداً من المقاعد فى كلا النظامين الفردى والقائمة لهذه الفئات على أن نقول (وتخصص هذه المقاعد للمرأة.. أو.. الشباب..أو ..الأقباط.. وهكذا) أم أن التدقيق القانونى الذى غاب عند وضع النظام الفردى،كان متيقظاً فقط عند وضع الكوتة فى نظام القائمة؟! أما الفتنة الكبرى، فهى خارج الأحزاب، وستكون بين المرشحين المتنافسين أنفسهم،فسنجد الأقباط الذين تخاصموا فى الانتخابات يسبون بعضهم،وسوف يدعى كل منهم أنهم أكثر التزاماً بتعاليم المسيح من الآخر، وسوف يتهم الشباب بعضهم بالخيانة والعمالة وبيع الثورة الأولى أو الثانية، وقد نجد معارك كلامية نسائية مصرية صميمة تنافساً على مقاعد المرأة!! وفى هذه الحالة لن تجد مجتمعاً متماسكاً يبنى الوطن،بل نسيج مشطور،وممزق إلى قطع متناثرة، وجسد مطعون فى وحدته بعد أن تحول إلى أشلاء!! أما معارضى الكوتة، فقد يُتهمون بكراهية المسيحيين، أو التمييز ضد المرأة، أو اضطهاد الشباب،لنواجه معارك لاتنتهى، بين الجميع فى وطن يبحث عن التوافق، من أجل البناء، ويرغب فى التماسك من أجل التقدم!! مشروع قانون الانتخابات البرلمانية الجديد، هو مشروع فتنة، وأساسه القانونى هش وضعيف، ولايمكن معه الادعاء بأننا نتقدم خطوة نحو وطن ديمقراطى،بل يمكننا التأكيد أنه قانون تم تفصيله على مقاس الحزب الوطنى المنحل!! فعلاً الثورة ترجع إلى الخلف!!