طوبى للغرباء .. فى الغربة يعيش المسلمون حالة جهاد صعبة . يعانون البعد والغياب وعدم التأقلم مع الآخرين ، فى مجتمعات تنكرهم ، وثقافات تتجاهلهم ، وحكومات وأنظمة لا تنظر إليهم إلا نفس نظرتها الى أسامة بن لادن ومحمد عطا وخالد شيخ . فى امريكا يتقوقع المسلمون ، ويتوارون ، ويعتذرون عن خطايا الاخرين ويقفون دائما فى مواقع الدفاع عن دينهم المدان يقينا حتى تثبت براءته . لا توجد احصائيات واضحة حول عدد المسلمين فى الولاياتالمتحدة لأن مثل هذا الاحصاء ممنوع بدعوى العلمانية واحترام حرية المعتقد الدينى . فضلا عن شيوع تيار كبير من معتنقى فكرة " اللادينية " وهم أشخاص يؤمنون بوجود اله ، لكنهم لا يعتقدون بأى دين ويحرصون على فعل الخير واجتناب الشر . وعلى الرغم من ذلك فإن عدد المسلمين طبقا لدراسات حيادية غير رسمية يدور بين ثلاثة وسبعة ملايين شخص ،وهى بالطبع نسبة لا تتجاوز 2 % من اجمالى سكان أمريكا . على الجانب الآخر يشكل اليهود نحو 3 % فقط من سكان الولاياتالمتحدة لكن قوتهم تعادل خمسة اضعاف قوة المسلمين هناك ، لأن معظمهم يتولون مناصب مرموقة تبدأ بمناصب قيادية فى السياسة وحتى معظم قطاعات المال والاعمال ومؤسسات الاعلام . ومع أن معظم الأمريكيين يقرنون الإسلام بالدرجة الأولى بالعرب، فإن ثلثي الأمريكيين العرب هم مسيحيون، لكن معظم المهاجرين العرب إلى أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية كانوا مسلمين. والمسلمون هم الشريحة الأسرع نموا بين الأمريكيين العرب. ويشكل المسلمون المنحدرون من منطقة جنوب آسيا الشريحة الأسرع نموا في الجالية الأمريكية الإسلامية ويبلغ عددها ربع عدد المسلمين الأمريكيين. وبالرغم من أن المسلمين يعيشون في كل أنحاء البلاد، فإن الكثيرين منهم قد استقروا في المناطق المدينية الكبرى على امتداد الشاطئين كما في الوسط الغربي، وفي نيويورك، ولوس أنجلوس، وشيكاغو، وديترويت وديربورن المجاورة لها تحديدا. أما الولايات العشر التي تضم الغالبية الأكبر للأمريكيين المسلمين فهي : نيويورك، وإلينوي، ونيوجرزي، وإنديانا، ومشيغان، وفرجينيا، وتكساس، وأوهايو، وماريلاند. كما أن هنالك جاليات مستوطنة قرب جامعات الولايات التي تحتوي عادة على أعداد كبيرة من الطلبة والأساتذة المسلمين المولودين في خارج البلاد . واذا علمنا أن النسب الاعلى فى الجاليات العربية المهاجرة الى امريكا من الاخوة المسيحيين ، فإن الجالية المصرية التى تبلغ 750 الف شخص تكاد تكون أبرز وأكبر الجاليات الاسلامية هناك اذ يتكون نصفها من مصريين مسلمين سافر معظمهم فى اعقاب نكسة يونيو عام 1967 واستقروا هناك . كذلك يشكل الافغان والباكستانيون والماليزيون نسبة كبيرة من السكان المسلمين داخل امريكا . و لا يحتاج الامر الى كثير من التدقيق للتأكد أن دولة الحرية تتعامل بشىء من التمييز والتحيز ضد المسلمين سواء الامريكيين أو من ذوى الاصول الاخرى ، خاصة بعد 11 سبتمبر حيث سادت نظرة يملؤها الشك والريبة تجاه كل من يحمل هوية اسلامية . ويبدو ذلك جليا من مجموعة مصريين التقاهم كاتب السطور فى نيويورك وقد غيّروا اسمائهم الى اسماء امريكية بحتة للتعامل بيسر مع المجتمع الامريكى فخالد مثلا شاب مصرى يدرس الصيدلة ويعزف على الجيتار ويناديه اصدقائه باسم هارى ، وهناك شاب آخر يعمل فى التجارة يدعى محمد مؤمن غير كنيته لمارك موم . وقالت رانيا عبد الرحمن – امريكية من أصل مصرى تعيش فى نيويورك وتدرس العلوم السياسية أن هذا المجتمع لا يتمتع بالحرية المثلى التى يتصورها كثير من المقيمين خارجه . وأشارت الى انها لمست ذلك فى تعاملاتها مع اساتذتها وزملائها فى الجامعة حيث يوجد تشوية متعمد للتاريخ ضد العرب وضد المسلمين ، وأنها تربت على أن العرب معتدون على دولة ديمقراطية حديثة هى اسرائيل ! اضافت أن اصولها المصرية دفعت الى البحث والدراسة لتكتشف أن كافة دروس التاريخ الامريكى تنحاز بشدة تجاه مصالحها حتى لو كان ذلك الانحياز ضد الحق والعدل . وفى رأى احد المصريين العاملين باذاعة صوت امريكا – رفض ذكر اسمه بسبب حساسية وضعه – أن التوجه القادم للسياسة الامريكية توجه معادى للمسلمين . ويتصور أن هناك خلطا واضحا بين الارهاب وبين الاسلام حتى أن شعار الجمهوريين القادم فى الانتحابات الرئاسية هو " لا للشريعة الاسلامية " وهو ما دفع ادارة اوباما للتخطيط للرد على ذلك الشعار بعدة أمور كان من بينها عملية اغتيال اسامة بن لادن . ويواجه المسلمون عدة تحديات تخص ذوبانهم فى المجتمع الامريكى خاصة فى ظل سيطرة اللوبى اليهودى على معظم وسائل الاعلام . لقد كان ذلك واضحا عندما تم اقالة رئيس غرفة الاخبار "النيوز روم " فى اذاعة صوت اميركا قبل بضعة سنوات بسبب سماحه للملا عمر زعيم طالبان بالتحدث لمدة دقيقة عبر الاذاعة . ويتضح ايضا من تقرير خطير نشرته مجلة "فيروورد " اليهودية للتحذير من تناقص عدد اليهود المسيطرين على وسائل اعلام داخل اميركا . لقد ظلت صورة المسلمين فى اميركا مشوهة طوال السنوات العشر الاخيرة ، وتناولت كثير من الافلام فكرة اقتران الارهاب بالمسلمين ( مثل فيلم قربان ) ، ولكن يوجد ايضا محاولات تجميل و متابعة و تحسين لأوضاع المسلمين داخل اميركا من خلال مؤسسات وجمعيات أهلية عديدة يتم تمويل معظمها من جانب السعودية . ويعد مجلس العلاقات الاسلامية الامريكية المعروف "كير " من أبرز المؤسسات الداعمة للمسلمين داخل امريكا وقد تم تأسيسه عام 1994 للعمل على توضيح صورة الاسلام الصحيح والحفاظ على الهوية الاسلامية من التشويه المتعمد لبعض المنظمات الصهيونية .