أن تكون قزماً بين الأقزام غير أن تكون قزماً بين العمالقة، ولا يعني هذا أن نقلل من شأن الأقزام أو نستهين بهم أو نسخر منهم أو نرفض مساواتهم بالعمالقة، فالتباين الجسدي البيولوجي لا حيلة لنا أمامه، وعلينا تقبله والاعتراف به والتعايش معه في جو من التسامح والمودة والتقدير المتبادل، وليس أدل على ذلك من وجود أوزان مختلفة في مباريات حمل الأثقال والمصارعة والملاكمة تتدرج من وزن الريشة وتنتهي بوزن الثقيل، ولا يعقل لملاكم من وزن الريشة ملاكمة من في وزن الثقيل.. ولابد أن تكون هناك حكمة في تفاوت البشر بين أقزام وعمالقة، بين أذكياء وأغبياء، بين أصحاب بشرة بيضاء وأصحاب بشرة سوداء، كما أن التفاوت بين الشعوب والأمم والثقافات لا يمكن تجاهله، وبالتالي لا ينبغي أن نفرض أحكاماً ومعايير أخلاقية على مظاهر التفاوت بيننا، كما لا يعقل أن تتوجه جهودنا إلى طمس هذا التفاوت، ومتى انتقلنا إلى خريطة العالم السياسية نجدها تتوزع بين دول تتفاوت في حظها من المساحة وعدد السكان والثروة والقوة العسكرية والتقدم العلمي والتكنولوجي، ولا شك أن لهذا التفاوت انعكاساته السياسية على العلاقات الدولية ومن هنا تأتي التفرقة بين دول عظمى ودول صغرى ودول نامية ودول متخلفة ودول من العالم الثالث، وهي تفرقة مضللة ولا أخلاقية إلى حد ما، وإن كان لا مفر منها، خصوصاً متى أدخلنا في اعتبارنا مبدأ التبعية والاستقلال، وأدخلنا أيضاً معاييرنا وأحكامنا ونظرتنا إلى الدول من منظور الأعلى والأدنى، ولما كنا في المجال السياسي كثيراً ما نبتعد عن المجال الأخلاقي، فإن الواقع السياسي يصدمنا بكل قوة، فالدول المهيمنة على المسرح السياسي في أعقاب الحرب العالمية الأولى فرضت وصايتها على المستعمرات نيابة عن المجتمع الدولي من خلال لجنة الانتدابات، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية أكدت الأممالمتحدة نزعتها الاستبدادية من خلال خمس دول لها حق العضوية الدائمة في مجلس الأمن ولها وحدها حق النقض «الفيتو».. وإذا كانت الخريطة السياسية للعالم واضحة وضوح الشمس، وقدرات وإمكانيات ووضع كل دولة معروف للجميع، لذا فإن الحيرة تتملكنا متى حاولنا تفهم محاولة قطر البلهاء أن تتخذ موقعها بفضل أسرتها الحاكمة كدولة عظمى، تتوهم قطر قدرتها على أن تلعب دوراً مؤثراً في السياسة العالمية من خلال تسخير كل إمكانياتها ومواردها في تنظيم بطولة كأس العالم في كرة القدم، من خلال شراء بعض الصحف العالمية، من خلال التدخل السافر في الشئون العربية، من خلال قناتها الفضائية، من خلال القواعد الأمريكية بها، من خلال محاولتها المستميتة لأخونة العالم العربي، من خلال حمايتها لرموز الإرهاب الإسلامي، من خلال معاداتها الوقحة للشعب والدولة المصرية ومحاولاتها الدؤوبة لتفتيت وتمزيق الدول العربية بما فيها مصر إلى دويلات وإمارات صغيرة. لمصلحة من توجه قطر جهودها إلى تقزيم وتمزيق العالم العربي؟.. بالطبع لمصلحة أمريكا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل.. وأيضاً لمصلحة قطر نفسها بالدرجة الأولى، فإذا كانت قطر قد قبلت على نفسها أن تقوم بدور يدعم ويساند إسرائيل في المنطقة العربية من خلال مؤازرة جماعة الإخوان بكل طاقاتها، فإن هذا الدور يتسق مع شعور الأسرة الحاكمة بالدونية ورغبتهم اللاشعورية في زعامة العالم العربي بعد تقزيمه وتمزيقه، مصلحة حكام قطر أن يتحول العالم العربي إلى كيانات صغيرة ضعيفة تجمعها خلافة هشة تسمى بالخلافة الإسلامية تأتمر بأمر أمريكا وأوروبا وإسرائيل، وفي هذه الحالة يمكن لأمير قطر الذي انقلب على أبيه وانقلب أبوه بدوره على جده، أن ينصب نفسه خليفة للمسلمين أو نائباً للخليفة في تركيا مكافأة له في الإطاحة بوحدة الدول الكبرى في المنطقة كمصر والسعودية وسوريا والعراق، ومن هنا يمكن أن نتفهم دوافع قطر وموقفها من جماعة الإخوان، الهدف واحد والحلم واحد والمصالح واحدة والسياسات واحدة واللاأخلاقيات واحدة والمتاجرة بالدين واحدة وتأليه الإرهاب واحد والجنون واحد، مشكلة قطر مشكلة من يتوهم أنه على أنقاض العالم العربي يمكن التعامل مع قطر كدولة عظمى، رغم أن الغطاء العربي وليس الغطاء الأمريكي أو الإخواني أو التركي هو وحده الكفيل بقوة وعزة قطر ومصداقيتها كدولة، دولة قطر تحتاج إلى طبيب نفسي يعالجها من أوهامها وغباء حكامها.