كان يوماً مشهوداً، أجمعت عليه، هذا المهرجان السياسي عالي المقام، أتوا إلي بيت الأمة من كل فج عميق ليشهدوا ونشهد معهم أن الوفد بعطائه وبمبادئه قد عاد، وكما قلت في مقالي السابق، تصورت أن سعداً والنحاس وسراج الدين خرجوا من قبورهم واطمأنوا في «مضجعهم الأخير» عن استمرارية المسيرة الوفدية، وتذكرت كيف أن هذا الحفل العظيم من شباب وشيوخ الوفد جاءوا لإحياء ذكرى «شعبية الحزب في عصره الذهبى» يوم كان الوفد هو الممثل الشرعى للأمة، وهو حامل راية «الحق والعدل والقانون»، وكيف كان مجلس النواب عن آخره من ممثلى حزب الوفد، ليس هذا فحسب، وإنما كان الصورة السياسية والحزبية في ذلك الحين بدءاً من ثورة 19 مروراً بتشكيل برلمان 1923 مع مولد الدستور الشهير، ثم تتابعت الانتصارات الوفدية خلال الأربعينيات، حينما كنا صفوفاً نهتف باسم الأمة، والأمة هي مصدر السلطات، ويواجه شباب الوفد الاستعمار الإنجليزى الرابض علي صدر الأمة، والانحراف الملكى في ذلك الحين، وكان الشعب المصرى كل قد اتخذ من «الوفد عقيدة ونوراً ينير طريقه صوب الحرية وإعمال مبادئ الديمقراطية». في ذلك اليوم الأغر الجميل كانت كتائب الوفد قد هبت منذ فجر ذلك اليوم لتبنى بناء حديثاً في صرح بنيان الحزب عالى المقام، وقد اجتمعت فيه كل القيم والمبادئ مع هذه الجماهير الظمآنة إلي عودة الوفد قوياً فتياً عملاقاً. وهكذا كانت سنة السابقين ومن هنا كانت فرحة الذين أسسوا بناء وأعلوا شأنه، رحم الله سعد الأمة، ومصطفى مشكاة نورها، وعبقرية سراج الدين، سراج الوفد الذي كان له القدح المعلى في عودة الوفد، وهكذا كان اليوم توكيداً علي أن الوفد باق بعظمة مبادئه، وحافظ لتراث زعمائه، في المسيرة العملاق، والتي عبر عنها ذلك الحفل الرائع، قوة في يقين ويقين في قوة. وكل الأمل أن يحمل أبناء الوفد جيلاً بعد جيل شعلة الوفد المقدسة، نوراً ونبراساً لأعظم «مدرسة سياسية» عبر الأجيال، يحمل رايتها جيل بعد جيل، ومن هنا كان لابد أن يعمل أبناء الوفد علي إدارة الدفة في هذا العصر ويثبت وجوده في طليعة الأمة وهو الأمل المرجو الذي نناجيه، بالنسبة لسعادة أبناء الوطن وقدرة التمثيل في «البرلمان القادم» وأن يكون للوفد نصيبه اللائق به علماً وقانوناً ووطنية، والأمل جد كبير، في شباب الوفد وشيوخه أن يحملوا الراية راية الوفد خفاقة وعنوانها: «الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة» وسوف نري انتصار المبادئ الوفدية في عموم تلك الساحة السياسية والتشريعية والتنفيذية، وهذه هي أماني كل وفدى حر، عاش بالمبادئ السامية، حاملاً رايتها باسم «الحق والعدل والقانون» وإثبات يقين أن «الوفد كان وسيظل جيلاً بعد جيل ضمير الأمة وحامل رايتها في العالمين».