مذابح عائلية.. سرقة بالإكراه.. سطو مسلح.. خطف تجار وأقباط.. سرقة سيارات.. قتل أطفال.. جرائم على كل لون حولت صعيد مصر الى بؤر إجرامية انتعشت فيها العصابات والبلطجية بسبب توافر كمية من الأسلحة المهربة من الخارج بكافة أنواع أدوات القتل والسرقة والخطف والابتزاز.. ورغم أن التقارير الرسمية تؤكد تحسن الحالة الأمنية بشكل عام تدريجياً خاصة في ظل حرب الدولة على الإرهاب، إلا أن الجريمة مازالت تهدد أمن المجتمع خاصة في محافظات الوجه القبلي التي ورثت تركة ثقيلة من الإهمال في كل المجالات جعلها أرضاً خصبة لارتكاب بكافة أنواع الجرائم! لم تكن مذبحة الهلايل والدابودية سوى حلقة في مسلسل متصل من الجرائم التي ترتكب في صعيد مصر، فمحافظات مصر الجنوبية تعيش حياة منعزلة عن مراكز الاهتمام على كافة النواحي الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وأصبحت الجرائم ترتكب بشكل يومي لتهز أركان المجتمع الآمن.. من أكثر من شهر تقريباً تعرضت أسرة مكونة من خمسة أفراد للخطف على طريق أسوان الجبلي أثناء توجهها لقضاء إجازة نصف العام مع العائلة وفجأة استوقفت السيارة الخاصة سيارة نصف نقل ونزل منها 4 أشخاص من مطاريد الجبل مسلحين بأسلحة ثقيلة وتم اقتياد الأسرة إلى منطقة وعرة بالجبل وأجبرت الزوجة على خلع مصاغها وتمت سرقة 4 أجهزة محمول ومبالغ مالية كانت بحوزة الأب، ثم تمت تغطية أعينهم جميعاً، وقال لهم أحد أفراد العصابة: بعد ساعتين بالضبط «اطلعوا على الطريق» وفوجئت الأسرة بعد الساعتين بسرقة سيارتهم ولم يتم إبلاغ الشرطة خوفاً من بطش أفراد العصابة. ومنذ أسابيع قليلة تعرض مواطن بمحافظة قنا لسرقة سيارته من أمام المسجد بعد صلاة الجمعة وتوجه لعمل محضر بقسم قنا لكن لم يجد أياً من أفراد الشرطة بالقسم فاتصل بالنجدة بعد وساطة، إلا أن محضر الإبلاغ عن الحادث لم يسفر عن شىء بعد توجيه أسئلة من نوعية من تتهم؟ وهل لديك أعداء؟.. وبعد يومين تلقى المجني عليه اتصالاً تليفونياً من عصابة متخصصة في سرقة السيارات أبلغته بضرورة تسوية مبلغ 10 آلاف جنيه لاستعادة سيارته وعندما توجه إلى الوسيط الذي دلوه عليه وجده عمدة إحدى القرى الذي نصحه بعدم إبلاغ البوليس منعاً لإلحاق أي ضرر به.. واستعاد سيارته التي وضعوها له قبل سوهاج بمسافة قليلة ولكن بعد أن تمت سرقة كل محتوياتها التي كلفته 10 آلاف جنيه أخرى إضافة لمبلغ الإتاوة، وكشفت الحادثة وجود هذه العصابات في منطقة وعرة بالسمطا وحمرادوم وهى عصابات مدججة بكافة أنواع الأسلحة، كما كشفت عن وجود 23 محضر سرقة سيارات في شهر واحد بقنا فقط. حادث آخر لمواطن بقنا تعرض لسرقة موتوسيكل خاص به كان قد اشتراه بالتقسيط وطالبته العصابة بدفع 5 آلاف جنيه لكن لم يتمكن من جمع سوى 3 آلاف جنيه، المؤسف أن الشاب المسكين استعار موتوسيكل صديقه للذهاب الى حيث طلبوا منه لتسليم المبلغ وتسليم الموتوسيكل إلا أنهم أخذوا نقوده وموتوسيكل صديقه ولم يعطوه شيئا!! حوادث يومية حوادث السرقة والقتل والخطف تتكرر بشكل يومي في محافظات الصعيد ورغم بشاعة جريمة أسوان التي راح ضحيتها العشرات من عائلتي الدابودية والهلايل، إلا أن «القتل في صعيد مصر» من الجرائم التي تسجل أعلى المعدلات ولعل حادثة قتل ابنتي أندراوس باشا «صوفي ولودي»، تعد دليلاً على بشاعة هذه الجرائم وهى جريمة قتل وسرقة حيث عثر على «العجوزتين» مقتولتين بوحشية في قصر هما التاريخي المطل على النيل بالأقصر، هذا القصر الذي استقبل زعيم الوفد، وقيل إن ابنتي الباشا اللتين كانتا تعيشان بمفردهما في القصر الكبير واختفت أشياء ثمينة من البيت، وقيل إن الجاني كان يبحث عن كنوز مخبأة أسفل القصر ودار الحديث عن تورط أشخاص قريبين من السيدتين في الحادث لكن رغم مرور أكثر من 6 أشهر على الحادث لم يتم الكشف عن الفاعل. كما تم القبض مؤخراً على نجل خط الصعيد والمتهم بعدد من قضايا القتل والخطف والهارب من قنا وكان مختبئاً داخل شقة تستخدم في ممارسة الأعمال المنافية للآداب بالعجوزة وبصحبته شريكه المتهم معه في القضايا، وكان أحمد نوفل نجل خط الصعيد السابق، هرب بصحبة صديقه «حمام» من قنا بعد ارتكاب العشرات من قضايا القتل والخطف. خطف الأطفال أكدت دراسة حديثة للدكتور عادل عامر انتشار جرائم خطف الأطفال في صعيد مصر، وقد احتلت محافظتا سوهاجوالمنيا النصيب الأكبر من عدد جرائم اختطاف ولما تشهده محافظات الصعيد من انفلات أمني شديد وجاء بالدراسة أيضاً أن 11 واقعة خطف أطفال في قنا دون 10 سنوات منها 7 في نجح حمادي في عام 2013. وبشكل عام فإن جريمة الخطف زادت بنسبة 90٪ بعدما أصبحت فرصة للثراء السريع، وأن 30٪ فقط من حالات الخطف يتم الإبلاغ عنها في حينها و70٪ تتأخر مما يعطل الإجراءات الأمنية خشية على أرواح المختطفين و92٪ من حالات الخطف في شمال قنا. وأكدت الدراسة أيضاً أن 86٪ من حوادث الخطف تقع في نجع حمادي و70٪ كانوا يستجيبون لمطالب دفع الفدية عام 2013 و88٪ تكون بسبب الفدية وابتزاز دون معرفة بأسرة المختطف، و95٪ من حالات الخطف لغرباء ورجال أعمال وتجار أقباط لطلب فدية مرتفعة. بشكل عام لا توجد معلومات دقيقة عن الجريمة في مصر وعن عدد حالات الاختطاف بشكل خاص ومنذ نهاية التسعينيات لم يتم نشر تقرير الأمن العام الذي كانت وزارة الداخلية تنشره من قبل وكان يشمل جرائم الشروع في القتل والقتل والخطف والسرقة والنصب وغيرها، وبالتالي فإن المعلومات التي يمكن الحصول عليها مصدرها الجمعيات الحقوقية والحركات النشطة في هذا المجال، وعلى سبيل المثال كشف تقرير صدر عن مركز «وطن بلا حدود» للتنمية البشرية وحقوق الإنسان وشئون اللاجئين بالأقصر عن وقوع 37 حالة اختطاف بمركز نجع حمادي خلال الفترة من نوفمبر 2011 إلى أغسطس 2012، منها 32 قبطياً وخمسة مسلمين وهناك 9 محاولات أخري للاختطاف وربط حوادث الخطف بالديانة واقع موجود في محافظات الصعيد. وعلى سبيل المثال فإن تصريحاً للأنبا مكاريوس أسقف المنيا أكد فيه أن أكثر من 100 شخص تعرضوا للخطف في المحافظة، منها 34 حالة في نجع حمادي وأكدت مصادر بالأسقفية أن حالات عديدة للخطف لا يتم الإبلاغ عنها بسبب الخوف، ويتم دفع الفدية التي تبدأ من 10 آلاف جنيه وقد تصل ل 500 ألف وفقاً للحالة المادية لعائلة المخطوف، ومن أشهر قرى الصعيد التي يتم فيها الخطف على أساس ديني قرى دلجا والشامية والبدرمان والتي زادت بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة. اهتمام الأمن واهتمت حركة «جبهة مستقبل الصعيد» بحوادث الاختطاف التي نشطت حتى بعد استعادة الأمن بعضاً من قوته، إلا أن هذا الأثر من الواضح لم يظهر في الصعيد وقال سيمون نسيم، منسق الحركة، في تصريحات صحفية: إن حوادث الخطف لا تفرق بين فقير أو غني أو صغير أو كبير، فهناك طفل تم اختطافه لم يبلغ العاشرة بعد، وطالب منسق الحركة بضرورة اهتمام الأمن بهذا الملف وحماية المواطنين من عصابات الخطف لما يمثله من تهديد للأمن وكذلك حوادث السرقة التي تنشط فيها عصابات تهدف الى ممارسة البلطجية على المواطنين والإجبار على دفع الإتاوات مثلما حدث في حادث خطف 3 أقباط في ثلاث مناطق بالمنيا، كما أحيلت أوراق 8 متهمين الى المفتي في واقعة خطف وقتل قبطي ونجله عام 2011 بعد فشل خطفهما. وأكد تقرير حركة جبهة «مستقبل الصعيد» أن آلاف البلطجية والمسجلين خطر يشكلون عصابات تفرض الإتاوات وتقوم بعمليات سطو وخطف وابتزاز، وتمتد هذه الحوادث لكل الفئات العمرية بدءا من الشيوخ وحتي الأطفال حتي إن هذه العصابات تختار ضحاياها بدقة وليس بشكل عشوائي وتدرس أحوالهم المادية جيداً لتحديد الإتاوة أو الفدية، وفي بعض الحالات تم دفع المطلوب بعد أن باعت الأسر كل ما تملك إلا أن المخطوف كان يعود مقتولاً! ويعطي منسق الحركة مثلاً حياً بأنه ذهب بنفسه أكثر من مرة مع أهالي من قرية نزلة البدرمان بمركز ديرمواس جنوب محافظة المنيا لتقديم بلاغات ضد هذه العصابات وكان أشهرها عصابة «هولاكو الصعيد». فوضى السلاح تعد فوضى انتشار السلاح من أهم ركائز الجريمة في الصعيد ويرجع جزء كبير من هذه القضية الى أن اقتناء السلاح يعد جزءاً من عادات وتقاليد البيت الصعيدي والذي يتناسب مع أعداد الأسرة وخاصة في الآونة الأخيرة، والقصور الأمني خاصة في قرى ونجوع الصعيد ويتزامن ذلك مع انتشار البطالة بشكل كبير. وخلال عام 2013 فقط تم ضبط 4 آلاف قطعة سلاح آلي و111 رشاشاً و375 بندقية مشخشنة و1639 بندقية و15 ألفاً و500 فرد محلي الصنع باجمالي 23 ألف قطعة سلاح كما داهمت قوات الأمن العام 159 ورشة تصنيع سلاح وصادرت 88 ألفاً و226 قطعة سلاح أبيض. كما تعتبر مناطق عديدة بالصعيد مخازن سلاح يتم تهريبه من السودان واسرائيل وليبيا عن طريق التجار عبر أسوان والمناطق الشرقية والغربية. وفي محافظة قنا هناك أكثر من نقطة إنزال في صحراء «حجازة» والثانية قفط أعلى مصنع الفوسفات والثالثة جبل القناوية والرابعة جبل الشيخ عيسى والخامسة وادي اللقيطة، وبعدها محافظة سوهاج ولها ثلاث نقاط تسليم هى نجع البلابيشي والشيخ امبادر وعرب مازن، أما محافظة أسيوط فلا يوجد بها مناطق إنزال السلاح، حيث يتم إمدادها بالأسلحة والذخائر من محافظتي قناوسوهاج، أما في المنيا فهناك منطقة عرب الشيخ فضل ومنطقة الكريمات التي يتم إنزال سلاح لمحافظة بني سويف من خلالها. وكشفت مذبحة أسوان الأخيرة بين عائلتي الدابودية والهلايل أن الصعيد مركز مهم للسلاح الذي يأتي من السودان وليبيا لتصبح تجارة السلاح رائجة في الصعيد للتباهي والفخر والثأر ويشجع ذلك على زيادة معدلات جرائم الخطف والسرقة التي أصبحت تتم في عز النهار، حيث إن بعض الحوادث يقوم فيها اللصوص بالقفز على المنازل لسرقة المواشي والأغنام متسلحين بكافة أنواع السلاح لتهديد المواطنين، وكانت عصابة ياسر الحمبولي الذي يخضع للمحاكمة الآن مثالاً واضحاً على هذه الجرائم، فقد تم القبض على الحمبولي وابنه حشمت وأفراد تشكيلهما العصابي لاتهامهم في 80 قضية متنوعة بين قتل وسرقة بالإكراه وخطف وتعدي وقتل عمد موزعة على عدد من المراكز والمحافظات منها 20 قضية تابعة لمركز شرطة إسنا جنوبالأقصر و10 قضايا في مركز شرطة طيبة شمال الأقصر و10 قضايا في مركز شرطة القرنة غرب الأقصر و21 قضية تابعة لمركز بندر الأقصر و5 قضايا في مركز نفادة في محافظة قنا و7 قضايا في مركز شرطة قنا و5 قضايا في مركز قوص جنوبقنا وباقي القضايا في محافظة البحر الأحمر. وكانت الأجهزة الأمنية ألقت القبض على الحمبولي في الأقصر بمنطقة الكرنك بعد هروبه من سجن قنا العمومي خلال أحداث الانفلات الأمني ثم مضى مع عصابته في ترويع المواطنين وارتكاب جرائمه الى أن تم إلقاء القبض عليه. الأمن الوقائي اللواء محمود قطري، الخبير الأمني، يؤكد أن الحالة الأمنية الجنائية لا تختلف عن الأمن السياسي ولابد من أن تسير المعالجة على طريق متوازٍ وأكد قطري ضرورة أن تكون هناك استراتيجية تعتمد على الأمن الوقائي الاستباقي الذي يمنع الجريمة في اشارة الى أهمية تجفيف منابع تهريب السلاح الذي نشط بعد ثورة يناير، ويعد الصعيد سوقاً خصباً لتسويق هذه الأسلحة المهربة لانتشار ثقافة الثأر. أما الدكتورة تغريد الزيني، خبيرة علم الاجتماع، فأكدت أن صعيد مصر يعاني من الإهمال الشديد على كافة المستويات وليس بمستغرب انتشار هذه الجرائم في ظل زيادة معدلات الفقر في قرى ونجوع الصعيد التي تعاني أشد أنواع الفقر ونقص الخدمات الصحية والتعليمية، وهو ما يستوجب وضع خطط تنموية تضع الصعيد في بؤرة اهتمام الدولة والاهتمام بالمشروعات التنموية لمحاربة الجهل والفقر اللذين يدعمان كافة أنواع الخروج على القوانين.