يبدو أننا قاب قوسين أو أدنى من سيناريو ترسم تفاصيله بعناية القوى الكبرى لنحصل على نتيجة الحرب العالمية الثالثة التى هدفها كسابقيها تقسيم العالم إلى دويلات صغيرة تابعة لقطبى العالم أمريكاوروسيا، وهذا ما تدعمه زيارة ميركل إلى أمريكا والذى لازمها شن القوات الأوكرانية هجوماً فجر الجمعة بهدف تطويق واستعادة السيطرة على مدينة سلافيانسك أحد معاقل الانفصاليين الموالين لروسيا شرق البلاد وخاصة أنه منذ أكثر من أسبوعين وسلافيانسك خارجة عن سيطرة كييف ويحتجز الانفصاليون فيها مراقبين تابعين لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. إلى جانب ما سبق فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يرى أن هجوم القوات الأوكرانية ضد الموالين لموسكو في شرق البلاد يوجه الضربة القاضية لاتفاق جنيف الذي سعى لنزع فتيل الأزمة في هذه الجمهورية السوفياتية السابقة.. كل هذا يأتى مواكبا للذكرى المائة لاندلاع الحرب العالمية الأولى (1914) وال75 لبداية الحرب العالمية الثانية والتي لم تغب عن خلد أي شخص... وهما حربان تركتا أوروبا في أعين الجميع نموذجا يحتذى في سياسة المصالحة. ولكن الأزمة الأوكرانية تأتي لتهدد هذا النموذج، وخاصة أن روسيا تحاول استعادة جزء من أراضيها النى فقدتها بانهيار الاتحاد السوفيتى وهى بذلك تتشابه مع ألمانيا عقب الحرب العالمية الأولى، إلى جانب أن الاقتصاد العالمي منذ عام 2007 مشابه للأزمة الاقتصادية العالمية 1929. وكانت سببا رئيسيا في اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939. وما أشبه سياسة هتلر التوسعية التي أشعلت الحرب العالمية الثانية، بسياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكى أوباما، فكلاهما يسعى لتمزيق الشعوب إلى دويلات للسيطرة عليها والحصول على خيراتها ، فالرأي العام الروسي عند انهيار الاتحاد السوفياتي انتابه شعور الحقد الدفين نفسه الذي انتاب الرأي العام الألماني عقب خسارة الإمبراطورية الألمانية الحرب الأولى. ومنذ عام 1992 وروسيا تعيش رحلة استرداد «هيبتها الضائعة»، والقوميون الروس يحنون الى زمن استعبدوا فيه القوميات الأخرى التي كانت تحت سلطتهم أيام الاتحاد السوفياتي. ولا يوجد برهان أفضل، على تشابه الحالتين إلى حد كبير، من ظهور ديكتاتور يتمتع بشعبية واسعة خلال فترة لا تتجاوز عقدا واحدا بعد هزيمة القطب السوفياتي. فكما برز هتلر أواخر العشرينات ومطلع ثلاثينات القرن الماضي، تسلق بوتين سلم السلطة بسرعة قياسية إلى ان وصل إلى سدة الحكم مع حلول العام 2000 وبداية القرن الواحد والعشرين. ومعاناة روسيا من شح في الشخصيات القيادية عقب انفراط عقد الاتحاد السوفياتي أتاحت فرصة ذهبية لضابط الاستخبارات السوفياتي السابق الذي في عام 1998 عينه الرئيس بوريس يلتسين رئيسا للاستخبارات الروسية ثم رئيسا للوزراء في أغسطس 1999 قبل ان يطلب اليه الترشح لرئاسة الجمهورية. واستقال يلتسين من رئاسة الجمهورية في آخر أيام العام 1999 فأصبح بوتين رئيسا لروسيا بحسب الدستور. وأجريت الانتخابات الرئاسية باكرا ففاز بوتين بولايته الرئاسية الأولى عام 2000 أثر حصوله على أكثر من 53٪ من إجمالي الأصوات. ومنذ ذلك الحين تربع على عرش السلطة وخادع العملية الديمقراطية بتبادل أدوار الرئيس ورئيس الوزراء بشكل مؤقت مع ديمتري مدفيديف بين عامي 2008 و2012. وما كاد بوتين يتسلم السلطة حتى ركب موجة مكافحة الإرهاب عقب اعتداءات 11 سبتمبر2001 مستغلا الحملة العالمية ضد الإسلاميين المتطرفين لتأديب المتمردين الشيشان. وهو ما فعله نظيره بوش وكان ذريعته لاحتلال العراق، ثم ما لبث ان تنبه لتوسع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطى (ناتو) من خلال ضم جمهوريات سوفياتية سابقة، فبدأ بوضع حد لهذا المد الغربي عبر فرض النفوذ الروسي في السياسة الداخلية لتلك الدول. وقدم الكرملين الدعم الكامل عام 2004 لحملة فيكتور يانوكوفيتش في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية ولعبت الميليشيات الموالية لروسيا في كييف دورها في تزوير نتائج الانتخابات فأظهرت النتائج الأولى فوز مرشح موسكو بالرئاسة، وأدى ذلك إلى اندلاع الثورة البرتقالية وإعادة العملية الديمقراطية تحت أنظار الرقابة الدولية فخرج المرشح الموالي للغرب فيكتور يوتشنكو منتصرا عام 2005. لكن بوتين لم يسكت علي تلك الهزيمة السياسية ومارس الضغوط الاقتصادية ملوحا بورقة الغاز لكييف حتى فرض على يوتشنكو في صيف عام 2006 إقالة رئيسة وزرائه يوليا تموتشنكو وتعيين يانوكوفيتش رئيسا لحكومة جديدة. وتمكن عبر يانوكوفيتش من إحداث اختراقات أكبر في صفوف مؤسسات الدولة الأوكرانية إلى ان جاءت الانتخابات الرئاسية عام 2010 وحقق يانوكوفيتش فوزا صريحا فيها على تيموتشنكو التي سرعان ما انتهى بها المطاف في السجن بتهم فساد ملفقة. وبقي الشعب الأوكراني صامتا علي سياسات يانوكوفيتش الموالية لموسكو إلى حين طفح الكيل عندما رفض الرئيس الأوكراني أواخر العام 2013 توقيع اتفاقية شراكة تجارية مع الاتحاد الأوروبي واستعاض عنها بتعزيز الصفقات مع روسيا، فسار مئات الآلاف في شوارع كييف وهاجموا مقار الحكومة والرئاسة والبرلمان إلى حين فرار يانوكوفيتش في فبراير 2014. فاتهم بوتين الغرب بمؤامرة لتغيير النظام في كييف، وفي اليوم التالي ظهرت قوات مسلحة موالية لروسيا في شبه جزيرة القرم وسيطرت عليها تماما.. والآن تحاول أمريكا مع الاتحاد الأوروبى تضييق الخناق على روسيا وفرض عقوبات اقتصادية، حتى يكون نصيبها من ابتلاع العالم قضمة أكبر من روسيا، فالأزمة الأوكرانية الحالية ما هى إلا منشط قوى للإسراع بعملية تقسيم العالم.