اللهم هذا حالنا ظاهرٌ بين يديك، وهذا ضعفنا لا يخفى عليك، اللهم اغفر لنا وارحمنا، وآزرنا ولغيرِكَ لا تكِلنا، وآثرنا ولا تُؤثر علينا، والطف بنا يا ربنا فيما جرت به المقادير، اللهم اكشف لنا البصر والبصيرة وقوّنا بالحكمة والفضيلة، وأعزنا بنصرك فأنتَ نعمَ المولى ونعمَ النصير. لقد آثرت أن أبدأ حديثى اليوم بهذا الدعاء المختصر، لأن المرحلة التى تجتازها مصر الآن - بل الأمة العربية كلها - تفوق فى خطورتها وأهميتها كل تصورٍ مطروح وكلَ خيالٍ لائحٍ فى الأفق، فإننى أعتقد بدون مبالغة، أن أحداث هذه المرحلة هى الحلقة الخاتمة فى سلسلة الإعداد للحرب العالمية الثالثة والأخيرة، والتى أراها باتت وشيكةً بأكثرَ مما نتصور، وهى التى سيعقبها كثيرٌ من الفتن وملاحم آخر الزمان التى حدَّث عنها رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وهو ما يستوجب مزيداً وإخلاصاً فى الاستغفار والدعاء، بقدر ما يستوجب الوعى والإدراك والعمل والاجتهاد، حتى نستطيع أن نعبُرَ تلك المرحلة بأمنٍ وسلام. أعود إلى واقعنا المصرى، ونحن مقبِلون على انتخاباتٍ رئاسيةٍ بعد أقل من شهر، وانحصر التنافس فيها بين مرشحين اثنين، وكلاهما يتميز بالوطنية وهى الصفةُ الجوهرية لدخول حلبةِ التنافس، فأجد أن ذلك الواقع يُنذِرُ بمخاطر جسيمة على المستقبل، والواقع الذى أقصدُه ليس فى جانبهِ المادى المُتَمثل فى الأزمة الاقتصادية الخانقة التى نُعانى منها، أو حالة الفوضى والانفلات التى استشري فى المجتمع بكل دروبِهِ وفئاتهِ، أو حالة السيولة والاضمحلال السياسى وانحسار النخبة الوطنية الواعية، أو حوادث الإرهاب التى نتعرض لها خلال حربِنا المقدسة ضد الخونة وأعداء الوطن فى الداخل والخارج، ولكن الواقع الذى أتحدث عنه هوالواقع المعنوى المتمثل فى الرؤية العقلية والصورةِ الذهنية لدى المواطن المصرى عن واقعه المادى الذى يعيشه، وهى الرؤيةُ التى تباينت وتضاربت بين الأشخاص والفئات والطوائف طِوالَ ثلاث سنواتٍ مضت، نظراً لغياب قادة الفكر المخلصين من جانب، وشيوع الأفكار المغرضة المضللة الواردة علينا من جانبٍ آخر، وهو ما أدى إلى حالةَ الانقسام المجتمعى التى نلمسها بشكلٍ أو بآخر فى كل أمور حياتنا. إن هذا الواقع المرير لا يصح أن نتركه برمته وبكل علاته للرئيس القادم، ليكون هو أول الكاشفين لحقائق الأحداث وأول المتصدين لتصحيح الأوضاع وأول المسئولين عن أى إخفاقٍ أو تداعيات، فإننا بذلك نضع قنبلةٌ موقوتة لتعصف بأى رئيس قادم مهما كانت صفاته وقدراته، خاصةً مع حالة الوهم لدى الكثيرين بأن مفاتيحَ الحياة الوردية موجودةٌ وجاهزةٌ للتشغيل وتنتظر فقط وصول الرئيس للضغط عليها فتزدهر الحياة فى لحظةٍ واحدة. من هنا تأتى المسئوليةُ التاريخية للسيد المستشار عدلى منصور خلال فترة رئاسته المؤقتة، التى قاربت الانتهاء ولكنها وبما تبقى منها يمكن أن تكون أهم فترةٍ فى تاريخ مصر الحديث، إذا مهدت جيداً للفترة الرئاسية القادمة وساعدت فى تخفيف العبء عن الرئيس القادم وأزالت من طريقه الأشواك والعراقيل، وأعتقد أن ذلك ما زال ممكناً للرئيس المؤقت وحكومته، من خلال إعادة ضبط وصياغة الخطاب السياسى والإعلامى مع بعض الخطوات العملية، لشرح وتأكيد الآتى: (1) إن ما تعرضت لهُ مصر تحت مسمى ثورات الربيع العربى، كان شيئاً كارثياً استهدف تدمير وتقسيم الدولة المصرية، وما زال المخطط لذلك قائماً ، وبالتالى فإنَّ الأولويةُ الأولى والتحدى الأكبر للرئيس القادم، ليس ملفاً اقتصادياً أو ملفاً أمنياً حسبما يتم طرحه الآن بسطحيةٍ ساذجة، وإنما هو أولوية الأمن القومى بمفهومه الدقيق، الذى يعنى الدفاع عن أمن الوطن والحفاظ على سلامةِ أراضيه، مهما كانت المعاناةُ الاقتصادية، ومهما كانت التضحيات التى قد تصل إلى حربٍ عسكريةٍ نخوضُها دفاعاً عن كرامتنا واستقلالنا ووحدتنا. (2) إن إقصاء جماعة الإخوان الإرهابية عن الحكم لم يكن لفشلها فى إدارة شئون البلاد وعجزها عن تحقيق الآمال والطموحات، وإنما كان لخيانتها للوطن وافتضاح حقيقتها المزرية وأنها كانت عميلاً لقوى التآمر على مصر، وأن الشعب استبان ذلك فى الوقت المناسب وهو بصدد التفريط فى أجزاء عزيزةٍ من أرضهِ وثرواته.. كما أن مشاعر العداء والكراهية التى ملأت قلوب المصريين تجاه تلك الجماعة، كانت لفساد فكرها وسوءِ قصدها وخسةِ أعمالها الإرهابية، ولم تكن أبداً عداءً للدين أو كراهيةً لتعاليمه، وهذا ما يجب على الدولةُ أن تبرزهُ وتُبَرهن عليه. (3) إن المصالحة الوطنية تعنى توحيد الصف المصرى وجمع كلمته على قلبِ رجلٍ واحد، وهى بهذا المفهوم تُعدُ ضرورةً من ضرورات المستقبل، والسبيل الوحيد لتحقيقها هو بالتصدى العلمى والعملى الحاسم لكل الأفكار والمعتقدات الخاطئة أو المتطرفة فى المجتمع، سواءً كانت من هذا الفصيل أو ذاك، وسواءً شكَّلت سلوكاً لأشخاصٍ بعينهم أو نهجاً لمؤسساتٍ بذاتِها ويجب على الدولة أن تضطلع بتلك المسئولية بمصداقيةٍ وشفافية ووفقاً لمرجعيات المجتمع وثوابته. (4) استهجان ونبذ كل صورِ الفوضى والانفلات الأخلاقى التى انتشرت وتفاقمت تحت ستار الثورة مثل: التعدى على أملاك الدولة والبناء بدون ترخيص وإشغال وقطع الطرق والتظاهر وتعطيل مرافق الدولة وما شابه ذلك، ويجبُ على الدولة التصدى بصفةٍ عاجلة ورادعة ومستمرة لكل تلك الجرائم، حتى لا نضطر الرئيس القادم للتخاذل أمامها. (5) الإقلاع عن نغمة التثنية التى صارت ملازمةً لكل حديثٍ فى أى شأنٍ عام، وأصبحت مرادِفاً بئيساً يزيد دون أن نشعر من حالة الانقسام المجتمعى، مثل مرادفات: الأقباط والمسلمين، والشباب والكبار، والمرأة والرجل، والثوار والعامة، حتى أن الثورة أصبحت ثورتين. E-Mail :