أعتقد أننا في حاجة ملحة إلى هذا المجلس الجديد على غرار مجالسنا المتنوعة، ومنها الشباب والرياضة والصحافة والثقافة والطفولة و المرأة والجامعات، وإن كانت مهامه مختلفة في كونها تتمحور حول تنقية وتطهير المجتمع المصري من داء الأهل والعشيرة وتفكيك مقوماتها وآلياتها، والعشيرة التي أقصدها ليست العشيرة التي نشأت وتكونت بصورة طبيعية تاريخية جغرافية ثقافية واندمجت وتوحدت منذ بداية تكوينها بالوطن وانصهرت في نسيجه، قد تعتز بنفسها لكنها لم تنفصل يوما عن هوية الدولة المصرية أو دخلت في عداء وتنافر معها أو تملكتها نزعة تعصب أو عنصرية تجاهها، العشيرة التي أرفضها وأندد بها كل عشيرة مستنسخة وليست أصيلة، ترى نفسها فوق الدولة وتوجه كل جهودها لتسخيرها في خدمة مصالحها. العشيرة كما أراها بنية أو تكوين محدد للوعي لها من السمات السلبية ما يجعلها لا تقتصر على كيان دون آخر، تفيد الاكتفاء على الذات وإقصاء الآخر واعتباره أقرب إلى العدم منه إلى الوجود، تقدس شيخها وتضعه في مصاف الأنبياء والقديسين والأولياء، تنعدم فيها كل مساحة لحرية الرأي والفكر، لا تعرف شيئاً أو تتمسك به إلا ابتغاء مصالحها وحدها. حقاً إن النموذج الأسمي للعشيرة قد تمثل في العشيرة الإخوانية بكل سماتها، لكن الوطن كان كريماً إلى الدرجة التي سمحت لغيرها من العشائر أن تجد ملاذا لها يحقق طموحاتها. فالروح العشائرية يمكنك أن تصادفها في كيانات أخرى متنوعة يصعب حصرها، طبقة رجال الأعمال متى طغت مصالحهم الخاصة على حساب مصالح الدولة العليا، حزب سياسي كالحزب الوطني ولجنة سياساته الذي استأثر بكل شئ وتعامل مع الوطن كعزبة أو إقطاعية ينهل منها كيفما يشاء دون رقيب أو حسيب. مناصب و نفوذ وسلطان وجاه ومال ومكافآت و جوائز أدبية ومادية بعض رجال الدين ممن توهموا أنهم وحدهم أصحاب الحقيقة المطلقة ودعاة الفكر الديني اليقيني لهم حق المتاجرة به والتكسب منه، رجال تعليم وأطباء تعاملوا مع مهنتهم لا كرسالة وإنما كتجارة ومدخل مشروع للانتماء لطبقة رجال الأعمال، مجموعة من المستغربين يعتزون بلغتهم ولكنتهم وتقاليدهم وثقافتهم وجنسيتهم الأجنبية ويعتبرون أنفسهم فوق الوطن والدولة، بعض أساتذة الجامعات والقضاة اعتقدوا أن من حقهم أن يورثوا الأبناء مهنة الآباء حتى لو كانت لا تتفق مع قدراتهم أو إمكانياتهم، نخبة من المثقفين أو الأصدقاء يتاجرون بشعارات التنوير والعدالة الاجتماعية والكرامة والمساواة وحرية الرأي والفكر ومصالح الوطن ويحلمون بليالي الأنس في مارينا ونادي العاصمة مع الاعتذار لروح كاتبنا العالمي نجيب محفوظ عندما كانت المعمورة قبلة المنافقين في روايته ثرثرة فوق النيل. مهمة المجلس الجديد مكافحة الروح العشائرية في كل موقع وتعريتها حتى لو كانت متمثلة في مجالس أخرى كالمجلس الأعلى لثقافة جامعة القاهرة على سبيل المثال. آفة المجتمع المصري تكمن في الروح العشائرية التي تتغلغل في كل موقع في حياتنا، وإن كنا جميعاً بدرجة أو بأخرى نشارك في تنميتها ورعايتها بمواقف التخاذل واللامبالاة تجاهها، محاربة الروح العشائرية واجب وفرض علينا جميعاً وإلا ضاعت كل الجهود المخلصة لتأسيس دولة تنطلق من سيادة القانون ولا تنطلق من عشائر وأصحاب العزب والإقطاعيات الثقافية والدينية والسياسية والاقتصادية. المجلس الذي أنادى به يجب أن تتوافر في عضويته النزاهة والموضوعية والتجرد والإخلاص واحترام العمل التطوعي والتحرر من منطق المجاملات، مجاملات أصدقاء المال والثقافة والفن والإخوان والفرفشة والأهلى والزمالك وقطر وأمريكا والدولار واليورو والشهرة والفهلوة وحقوق الإنسان والدردشة و الدروشة والتبرير ... أصدقاء المصالح والمنافع و المنح والمنع.