لم يكن ليخطر ببال أحد، ولا حتى في أفلام الخيال أن يأتي زمن يقتني فيه مواطن عادي أمام منزله دبابة، كتلك التي ظهرت في منزل مواطن ليبي وهو يرش عليها الماء ويغسلها كما لو كانت سيارة خصوصية، أو بالمعنى الأقرب مسدّساً مرخّصاً للحماية الشخصية، مثلما يحدث في كثير من البلدان . هكذا يتداول نشطاء ليبيون وعرب على مواقع التواصل الاجتماعي مثل هذه المظاهر على سبيل التندّر، وهي في حقيقتها "شر البلية ما يضحك" . ليبيا، ما بعد إسقاط النظام لمصلحة الفوضى، باتت مهداً لكل شيء يحلّق في فضاء اللامتخيّل، بدءاً من فوضى السلاح وحتى سيطرة الميليشيات على ما تقع عليه أيديها من آبار نفط وسلاح ثقيل، مروراً بعصابات التهريب والخطف والسطو المسلّح والقرصنة على مؤسسات الدولة، لفرض مطالب فئوية خاصة لا علاقة لها بمصالح البلاد والعباد . لم يعد خطف دبلوماسي أو عامل أو سائق شاحنة أو مخالف في الرأي والدين، يستحق أن يكون خبراً على رأس نشرة أخبار أجنبية، مادام الذي يجري يسير وفق المخطط له . لم تكن ليبيا نفسها تحلم بأن تحقّق رقماً قياسياً في أي شيء، ليس لأن شعبها أقل موهبة من شعوب الأرض، بل لظروفها الخاصة، إذ لا مجال للغناء مادام صوت الرصاص يعلو فوق كل الأصوات، ولا لوحة للرسم مادام كل شيء له علاقة بمستقبل البلاد يرسم في الخارج بريشة برنارد هنري ليفي، ولا ملعب للرياضة إذ إن البلد كله أصبح ملعباً للآخرين يسجّلون أهدافهم فيه بغزارة، وأهل البلاد ليس لهم سوى كأس المرارة . ليبيا تحمل اليوم الرقم القياسي في كمية السلاح المنتشر في أيدي الأشخاص، قياساً إلى عدد السكان، بواقع خمسة وعشرين ألف قطعة، وفوق ما يراد لهذا السلاح ان يفعل في الداخل، فإن البلاد نفسها أصبحت نقطة انطلاق لتنفيذ أعمال إرهابية في الجوار العربي، وقد تتبين صحّة التقارير الإعلامية عن احتضان ليبيا لعدد من المعسكرات، لما يسمى "الجيش المصري الحر" الذي يخطط له ليستنزف الجيش المصري في سيناء وغيرها، وتعطيل السير في خريطة المستقبل واستحقاقاتها المتلاحقة، التي ستختتم بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، والتفرّغ لإعادة بناء مصر، رغم أنف كل واضعي العصي في دواليب الزمن العربي الجاري نحو مكان مختلف تحت الشمس، بلا عبودية ولا اضطهاد، ونحو الديمقراطية غير المستوردة . وبما أنه لا يوجد في الأفق ما يبشّر بوضع أفضل لليبيا في المستقبل المنظور، فإن اللامتخيّل سيواصل تحليقه وتحويله الافتراضي إلى واقعي . يمكننا تصور انتشار ظاهرة اقتناء الدبابة ملكية "شخصية" على نطاق أوسع، أو رؤية المعلم والطبيب وعامل النظافة، يذهبون إلى أعمالهم على ظهر دباباتهم الخاصة . وإذا قدر لتلاميذ المدارس أن يذهبوا إلى مدارسهم، فربما يتوجهون إليها في ناقلات جند، وقد يرى شخص ينقل والدته المريضة إلى المستشفى بعربة مصفّحة، أو آخر يهدي ابنته قاذفة "آر بي جي" نظير "تفوّقها" في امتحانات الثانوية العامة وحصولها على 1 .50 في المئة، ومن الممكن أن تستخدم البنادق عكاكيز للعجائز، والغواصات لصيد السمك، وقد يبدع "قدوس" ليبي رواية جديدة يسمها "في بيتنا دبابة" نقلا عن صحيفة الخليج