ليس وحده المهندس إبراهيم محلب - رئيس الوزراء - الذى قال إنه يتوقع مزيدًا من العنف والعمليات الإرهابية.. بل قلت ذلك كثيرًا، هنا فى «هموم مصرية» وفى أحاديثى التليفزيونية.. بل مازلت أقول إن ما خفى.. هو الأعظم.. أى علينا أن نتوقع مزيدًا.. فقد قالوا مرات: إما أن نحكم مصر.. أو نحرقها.. وما جرى ومازال يجرى فى أسوان خير مثال لتفكير الإرهابيين. ورغم ما يقال من أننا نحمل الإخوان كل الأعمال الإرهابية.. حتى باتوا كذلك مثل إسرائيل، التى نحملها كل ما تتعرض لها المنطقة.. إلا أن الشواهد كلها تؤكد مقولة: ابحث عن الإخوان، وذلك عقب أى عملية إرهابية تتعرض لها مصر، والمنطقة.. فقد اثبتت الحوادث ذلك. من أحداث سيناء وتفجيرات خط الغاز، إلى مديريات الأمن وأقسام الشرطة، عبورًا بالهجوم على سجون وادى النطرون.. والآن بلاوى ما يحدث منهم فى الجامعات الكبرى: الأزهر العريق.. والقاهرة أم الجامعات المصرية.. وبعض الجامعات الاقليمية. ومع تعاظم ما يجرى فى القاهرة.. فوجئنا بما جرى فى أقصى الجنوب، فى أسوان وفى منطقة الحدود وحيث تتداخل القبائل والعرقيات.. وهو اختيار رهيب لأنهم أرادوا باختيارهم هذه المنطقة، أرادوا اشعال فتنة تمتد طويلا لأن آثارها.. تمتد كذلك طويلا. اختاروا منطقة تتداخل فيها القبائل العربية، وبنى هلال من أكبرها فى المنطقة، وأبناء النوبة الذين يعودون إلى آلاف السنين. فإذا كانت قبيلة بنى هلال جاءت من جنوب الجزيرة العربية واستقرت بمصر زمنًا قبل أن تنطلق إلى تونس.. ثم عودتها إلى مصر واستقرت فى عدد من المحافظات، أبرزها فى الصعيد.. أى أصبحت لها جذور عميقة فى المجتمع المصرى.. فإن أبناء النوبة يمثلون جزءًا حيويا من نسيج الأمة المصرية.. بل منهم من حكم مصر كلها بالذات وأسسوا الأسرة 25 عندما تمكن الملك النوبى بعنخى من الاستيلاء على مصر العليا ثم تتبع مجرى النيل إلى الدلتا فأخضع أمراءها وحكم مصر من ملوكهم خمسة ملوك فى الفترة من 730 إلى 715 قبل الميلاد إلى أن تمكن المصريون من طرد ملوك النوبة عام 663 ق. م، وأسس بسمتيك الأسرة ال26 قبل أن تقع مصر تحكم حكم قمبيز ملك الفرس عام 525 ق. م. وبالمناسبة كان لقب فؤاد عندما خلف أخاه السلطان حسين كامل عام 1917 هو «السلطان.. ثم ملك مصر ودارفور وكردفان والنوبة»!!. المهم أن الإخوان تركوا القاهرة تغلى وفيها بعض فلولهم، واتجهوا إلى أقصى جنوب مصر ليشعلوها فتنة بين أبناء النوبة.. وقبيلة بنى هلال، واستغلوا تكاسل السلطة المحلية «وكله تمام يا أفندم» وأشعلوا نيران الغضب مستغلين النعرات القبلية بين بنى هلال وأبناء النوبة.. ودارت حمى مخطط الإخوان الرهيب.. وإذا كنا لا نتهم السلطة والشرطة - أهم أدواتها المحلية - بسبب تكاسلهم هناك، إلى أن نصل إلى الحقيقة.. إلا أننا فوجئنا جميعًا بهذه المعركة التى يمكن أن تشعل حربا أهلية بين مختلف القبائل فى الصعيد الجوانى لتشغل الحكومة المركزية.. وتخفف أيديها عن القاهرة.. ليفعلوا فى مصر كل ما يحلمون. وبسبب خطورة أحداث أسوان انطلق إلى هناك رئيس الحكومة المهندس محلب ووزير داخليته اللواء محمد إبراهيم ووزير التنمية المحلية، أى أعلى سلطة محلية فى البلاد.. وحاولوا جميعًا احتواء هذه المشكلة الجديدة.. خصوصًا بعد ما قيل عن تقاعس السلطة المحلية فى المحافظة واستغاثة المحافظ بالقوات المسلحة لانقاذ الموقف.. وللأسف سمعنا شروطًا بين الطرفين «بنى هلال.. وأبناء النوبة»، ورغم كل ذلك فمازال مسلسل الدم يسيل بين الطرفين. ولن نقول نجح الإخوان فى زرع بذور فتنة خطيرة فى الجنوب. ولكننا نقول: فشلت الإدارة المحلية - هناك - فى احتواء الأزمة.. وهذا للأسف سوف يعطى الإخوان فرصة لتخطيط المزيد من العنف فى مناطق تشكو من الإهمال ومن الفقر ومن الجهل.. وسرعان ما يلجأ الكل إلى السلاح.. وهذا ما حدث فى أسوان.. وما سوف يحدث فى غيرها. وتوقعوا المزيد حتى إلى ما بعد انتهاء الانتخابات.. لأن هذه الانتخابات حتى ان انهت دعاوى الإخوان بشرعيتهم.. فلن تكون المعركة الأخيرة.