كلام وزير التخطيط والتعاون الدولي المصري د . أشرف العربي بأن مسألة لجوء مصر لصندوق النقد والبنك الدوليين، للحصول على قروض، مسألة غير واردة، وأن مشاركة مصر في الاجتماع المزمع قريباً تستهدف بالأساس توضيح صورة ما يحدث في مصر وشرح حقيقة الأوضاع في محاولة لاستعادة ثقة العالم في الاقتصاد المصري، وليست لشيء آخر. هذا الموقف في غاية الأهمية وهو يعني أن مصر تضع قدماً راسخة على أرضية الاستقلال الوطني ودفن سياسة التبعية الاقتصادية وبالتالي السياسية وحتى الثقافية، وهي سياسة تنعش طبقة من الطفيليات والسماسرة، ولا تعود بأية فائدة للطبقات الشعبية العريضة في المجتمع المصري، والدليل الأساس أن هذه الطبقات ازدادت فقراً طيلة العقود الأربعة الماضية، رغم القروض وما تسمى "المساعدات" الأمريكية التي لا هدف لها سوى حماية اتفاقية "كامب ديفيد" المبرمة مع "إسرائيل" . بعد انتفاضة 25 يناير وصعود جماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر، راهن بعض المحللين على إمكان شق سياسة جديدة تستند بالأساس إلى مواقف الإخوان من موقع المعارضة لسياسة القروض باعتبارها "ربى"، وكذلك لاتفاقية "كامب ديفيد" التي كانت العنوان الأبرز لمعارضتهما النظام السابق "السادات ومبارك" . لم يكن منتظراً بطبيعة الحال إلغاء "كامب ديفيد" بجرّة قلم، وفي يوم وليلة، فهذا قد يكون أمراً غير واقعي في ظل الظروف التي تمر بها مصر، لكن الإعلان المستمر من جانب قادة الجماعة، خلال الدعاية الانتخابية وبعد تسلّم الحكم، بأنهم ملتزمون بجميع الاتفاقات الدولية، وهذا يشمل "كامب ديفيد" والغاز، كان يشير بوضوح إلى أن النيّة غير معقودة على الدخول في هذا المعترك الذي من دونه يصعب الحديث عن تحقيق أهداف انتفاضة أو ثورة . وزير التخطيط الدولي قال أشياء كثيرة عن خطط لتحسين أداء الاقتصاد والحد من عجز الموازنة، وترشيد دعم الطاقة وتحسين منظومة النقل العام، وأعاد التذكير بأن العدالة تمتد إلى الخدمات الأساسية، وبخاصة التعليم والصحة، لكن هذا مجال له مختصوه، في حين أن المصائر الكبرى تبدأ بقرارات كبرى، والأهم هنا أن تكون البداية بالاعتماد على الذات، وعلى المساعدات غير المشروطة من الأشقاء والأصدقاء، بما في ذلك دول كبرى ليست لها أهداف امبريالية، ولم تكن يوماً دولاً مستعمرة لدولنا . كلام الوزير يتقاطع مع كلمة المشير عبدالفتاح السيسي وهو يقدّم نفسه مرشّحاً ذا أرجحية واضحة لانتخابات الرئاسة، إذ قال كلاماً مهماً عن الأحوال في مصر وما تتطلّبه من إرادة وجهد وعرق وتكاتف بين الشعب والحكم . كان كلاماً مدركاً لحجم التحديات في بلد فيه ملايين العاطلين عن العمل والمرضى وعديمي السكن . لذلك فإن شعار السيسي "استعادة مصر وبناؤها" يلامس الحاجة الحقيقية والأهداف الطموحة . وكان الأهم قوله إن مصر لن تبقى ملعباً مستباحاً للآخرين وأن أي عبث بها سيكون مغامرة لها عواقب . ورغم خصوصية الوضع المصري، إلا أن وزير الدفاع المستقيل تعهد النضال لأجل مصر والمنطقة أيضاً . هذه مصر التي في خاطر العرب، مصر التي إن غابت عن مقعد القيادة يبقى شاغراً حتى لو لألف عام . هذا ما يريده المواطن المصري الذي صنع المعجزات، وهذا ما يريده المواطن العربي الذي ينظر بعين إلى مصر وبعينه الثانية إلى كل الدنيا، بما فيها أم الدنيا . نقلا عن صحيفة الخليج