عندما يقيم المعنيون بالعلاقات العربية - العربية مدى نجاح مؤتمرات القمة العربية فإنهم يفعلون ذلك اعتماداً على مؤشرات متحفظة وواقعية ومستمدة من تاريخ الدبلوماسية العربية. فإذا انعقدت القمة، اعتبر ذلك في حد ذاته مؤشراً على نجاحها، حيث إن العديد من مؤتمرات القمة كانت تؤجل، وأحياناً كانت ترحل إلى أجل غير مسمى . بهذا المعيار فإن انعقاد القمة كان مؤشراً على نجاحها . ويزيد من أهمية هذا المؤشر أن القمة انعقدت في أجواء عربية متوترة بحيث كثرت التوقعات حول احتمال تأجيلها . المؤشر الثاني الذي تقاس به مؤتمرات القمة العربية هو مستوى المشاركة فيه . من هذه الناحية كان المؤتمر ناجحاً أيضاً . لقد حضرها عدد مناسب من القادة العرب خاصة إذا أخذ في الاعتبار أنه عندما تصل التوترات العربية إلى المستوى الذي شهدناه خلال الأيام المنصرمة، فإن هذا وحده كفيل بتخفيض عدد المشاركين من القادة العرب . وهناك مؤشر ثالث لمدى نجاح مؤتمرات القمة عادة ألا وهو أهمية ونوعية القرارات التي تصدر عنها . وبصرف النظر عن الجهد الملحوظ الذي بذله الكويتيون في التحضير للموتمر وعن مضمون قرارات القمة، فإن المؤشر الأخير لا يستأثر في القمم العربية بنفس درجة الاهتمام الذي تحظى به عادة مقررات التكتلات الإقليمية الأخرى المتقدمة مثل قمم الاتحاد الأوروبي أو دور رابطة جنوب شرق آسيا - "آسيان"، أو سوق أمريكاالجنوبية المشتركة -"ميركوسور" . وفي مقدمة الأسباب التي تفسر محدودية الاهتمام بمقررات مؤتمرات القمة العربية الانطباع السائد بأن مفعول هذه المقررات ينتهي ساعة إعلانها على الرأي العام، وبأنها في الحقيقة لا تتجاوز أن تكون مجرد قرارات ورقية لا غير . السؤال الذي يتردد مع انعقاد القمم العربية هو: هل يمكن إصلاح هذا الوضع؟ هل يمكن النهوض بمؤسسات العمل العربي المشترك بحيث يجري تنفيذ جانب مهم من مقرراتها إن لم يكن كلها؟ لا نعرف ما إذا كانت المقترحات التي تضمنها مشروع اللجنة التي شكلتها الأمانة العامة للجامعة لإصلاح أوضاعها يمكن ترجمتها إلى واقع إذ إن مشروع الجامعة بقي سراً عن الرأي العام إلا القليل الذي تسرب منه إلى الإعلام العربي . إلا أنه بصرف النظر عن هذا المشروع وعن نتائجه، فإن المتعاطفين مع فكرة التضامن العربي يجيبون بأن من الممكن إيجاد حلول معقولة لمشكلة القرارات الورقية الصادرة عن المؤتمرات العربية . وما يشجع هؤلاء على التوصل إلى هذا الاستنتاج هو أن القرارات المشتركة تتخذ على أعلى المستويات، فإذا لم يرغب صاحب السلطة الحقيقية في صدور هذه القرارات لما صدرت . خلافاً لهذا الرأي فإن معارضي المشروع العربي بسائر مؤسساته وتجلياته، بما في ذلك القمم العربية، لا يرون حلاً لمشكلة القرارات الورقية التي تصدر عن مؤسسات العمل المشترك . والمضمر في هذه النظرة القطعية هنا هو أن معضلة القرارات هي ليست مجرد معضلة إجرائية أو سياسية محدودة المدى . إنها في الأساس معضلة المشروع العربي الذي لا تتوفر له ولمؤسساته، في نظر معارضي الفكرة العربية، أسباب الحياة والنمو . مَن يدرس أوضاع المنظمات الإقليمية في العالم، ويتابع القمم التي تعقدها والقرارات الصادرة عنها والمآل الذي تنتهي إليه هذه القرارات يجد أن وجهة نظر المتعاطفين مع المشروع العربي هي الأقرب إلى الصواب . فمن يقارن بين التكتلات الإقليمية الناجحة في العالم وبين مؤسسات العمل العربي المشترك، يجد أن هذه المؤسسات الأخيرة لا تتفرد في مشكلة النقص في تنفيذ القرارات . فحسب دراسة أعدتها تانيا بورزل مديرة مركز التكامل الإقليمي الأوروبي في جامعة برلين، يوجد عدد كبير من المختصين بالدراسات الأوروبية ممن يعتقدون بأن الاتحاد الأوروبي يعاني مشكلة "مرضية" تتمثل في تخلف دول الاتحاد عن تنفيذ القرارات التي تتخذ في مؤسساته الجماعية . ويستند البعض من هؤلاء الباحثين والمختصين إلى دراسات أعدتها المفوضية الاتحادية في بروكسل وقد جاء في أحدها أنه بين عامي 1978 و،2001 تخلفت الدول الأعضاء في الاتحاد عن تنفيذ 15،700 قرار صدرت عن المؤسسات الاتحادية . فضلاً عن ذلك فإنه خلال السنوات الأخيرة من القرن العشرين، وصلت الشكاوى المتعلقة بقصور دول الاتحاد عن تنفيذ القوانين الاتحادية إلى الألف كل عام، هذا مع العلم بأنه كانت هناك مخالفات كثيرة لم ترصد ولم تدون ولم تجر متابعتها في مؤسسات الاتحاد . ولا يقتصر هذا النوع من الشكاوى حول التقصير في تنفيذ قرارات التكتلات الإقليمية على الاتحاد الأوروبي وحده بل هو عطل في منظمات إقليمية أخرى وناجحة أيضاً مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا - "آسيان" . فلقد وجدت الباحثة والإعلامية التايلاندية سارينا اريتامسيكول في دراسة أعدتها حول العلاقة بين توسع "آسيان" وتنفيذ قراراتها، أن الرابطة تعاني مشكلة تخلف الدول الأعضاء في الرابطة عن تنفيذ قراراتها الجماعية . وتبرز هذه المشكلة بصورة خاصة في إنشاء وتطبيق معاهدة منطقة التجارة الحرة التي تضم دول الرابطة، فكانت النتيجة أن المعاهدة طبقت في القطاعات غير الحساسة من اقتصاديات دول المنطقة، أما في القطاعات الحساسة فقد بقي إهمال القرارات الجماعية طاغياً . تعزو سارينا هذه المشكلة إلى افتقار "آسيان" إلى جهاز لمراقبة مدى تقيد الدول الأعضاء بالاتفاقيات الرابطية . ولكن توفر مثل هذه الأجهزة والمؤسسات وحده لا يكفي لمعالجة مشكلة القرارات الورقية بدليل أن الاتحاد الأوروبي يعاني هذه المشكلة رغم توفر مؤسسات المتابعة والمراقبة المنبثقة عن المفوضية الأوروبية والتي تصدر تقريراً سنوياً حول تطبيق قوانين الاتحاد وقرارته . إن مشكلة التخلف عن تطبيق القرارات في التكتلات الإقليمية هي عقبة مهمة تعرقل نموها وتطورها، وهذا ينسحب على أوضاع النظام الإقليمي العربي التي هي أقرب إلى واقع "آسيان" حيث لا وجود لمؤسسات المراقبة والمتابعة، منه إلى واقع الاتحاد الأوروبي حيث تتوفر هذه المؤسسات . وإذا كان باستطاعة الدول الأعضاء في مؤسسات العمل العربي المشترك إنشاء مؤسسات المراقبة والمتابعة للحيلولة دون التقصير في تطبيق القرارات الجماعية، فإن قادة هذه الدول قادرون، منذ الآن وحتى إقامة هذه المؤسسات، أن يبذلوا جهداً شخصياً ومباشراً في ضمان تطبيق قرارات القمم العربية أسوة بما يفعله قادة "آسيان" التي باتت تضم عدداً من النمور الآسيوية والأسواق البازغة في العالم . إن زعماء "آسيان" الذين قادوا بلادهم إلى الانضمام إلى الرابطة نتيجة اقتناعهم بفوائدها الكبرى، يعتبرون تنفيذ المقررات التي يتخذونها بصورة جماعية امتحاناً لمكانتهم الوطنية والإقليمية . نقلا عن صحيفة الخليج