يمكن القول إنه بصدور قانون الانتخابات الرئاسية قد بدأت مرحلة العد التنازلي للانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، التي تكتسب أهمية خاصة نظرا لكونها تعبر عن الاستحقاق التاني من خارطة المستقبل السياسي التي ارتضاها شعب مصر ،فضلا عن أنها تأتي وسط تحديات هامة تتعرض لها البلاد سواء على المستوى الداخلي أو المستويين الإقليمي والدولي، وتأتي عقب فترة من عدم الاستقرار السياسي على مستوى رئاسة الجمهورية كمؤسسة لم تألفها مصر من قبل ،وفي ظل رغبة جارفة من الشعب المصري في تحقيق الأمن والاستقرار والتخلص من المعاناة التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات، ويمكن إثارة تساؤلات هامة في هذا الصدد تتعلق بشكل الانتخابات الرئاسية القادمة وتوقعاتها وهل ستكون انتخابات تنافسية حقيقية أم انتخابات أحادية أو بمعنى آخر استفتاء، ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى الملاحظات التالية: أولا: أن مصطلح الانتخاب يعني الاختيار أو الانتقاء، فمن ينتخب يختار أو ينتقي من بين المرشحين الذين يعبرون عن أفكار واتجاهات وبرامج مختلفة ويطرحون تصوراتهم للمستقبل وكيفية التخلص من المشكلات التي تواجهها البلاد على المستويات المختلفة الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتختلف في ذلك الاجتهادات والتصورات وهو ما يعني بالضرورة تعددية المرشحين في الانتخابات الرئاسية بالضرورة حتى تتحقق فكرة الاختيار والانتقاء التي تنطوي عليها الانتخابات، ورغم التسليم بأهمية وضرورة التعددية في أي عملية انتخابية إلا أنه على الأرجح أن الانتخابات الرئاسية ستشهد عددا أقل من المرشحين مقارنة بالانتخابات الرئاسية في 2012 وهو ما يمكن تفسيره بأن الدستور المصري الذي تم إقراره في 2014 قد تضمن أسلوبين للترشح للرئاسة أولهما تأييد 25 الف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في خمس عشرة محافظة على الأقل وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها،وثانيهما أن يزكي المرشح لرئاسة الجمهورية عشرون عضوا على الأقل من أعضاء مجلس النواب، ولكن نظرا لما حدث من تعديل في خارطة المستقبل السياسي وبحيث أصبحت الانتخابات الرئاسية سابقة لانتخابات مجلس النواب فإن من شأن هذا العامل أن يقلل بالضرورة من أعداد المرشحين للرئاسة حيث لن يكون أمام الراغبين في الترشح للرئاسة سوى أسلوب وحيد وهو الحصول على تزكية 25 ألف مواطن وفقا للآلية التي انطوت عليها المادة 142، بينما طبق الأسلوبين في انتخابات الرئاسة في 2012 مما ساعد على تزايد أعداد المرشحين. ثانيا: إن خريطة الانتخابات الرئاسية القادمة في مصر لم تتشكل بعد في شكلها النهائي وذلك لعدم فتح باب الترشح حتى لحظة كتابة هذا المقال ويترتب على ذلك عدم وجود أي مرشح للرئاسة طالما أن باب الترشح مازال مغلقا وأن كل ما يثار من البعض هو مجرد إعلان النية في الترشح أو إعلان النية في عدم الترشح وإن كان ذلك في اعتقادي قد لا يعبر بالضرورة عن الوضع النهائي لمن ينتوي الترشح أو عدم الترشح،ويقصد بذلك أنه لا يمكن الحديث عن مرشح للرئاسة إلا عقب فتح باب الترشح واستيفاء الشروط التي يتطلبها الدستور وقانون الانتخابات الرئاسية من حيث الحصول على تأييد المواطنين، والحصول على الشهادة الجامعية واجتياز الإجراءات الطبية وشرط الجنسية وغيرها من المتطلبات والشروط اللازمة للترشح للرئاسة، وبحيث أن من تتوافر فيه هذه الشروط والمتطلبات يصبح بحق مرشحا رئاسيا. ثالثا: السيناريوهات المتوقعة للانتخابات الرئاسية المصرية، فعلى الرغم من وجود توقع قوي لانخفاض أعداد المرشحين في الانتخابات الرئاسية القادمة نظرا لأحادية أسلوب الترشح،إضافة إلى ميل متوقع للتنسيق والتكامل بين عدة أحزاب يدعمون نفس المرشح ،كما أنه قد يحدث أن يحجم بعض راغبي الترشح عن ترشيح أنفسهم نظرا لشعورهم بتدني شعبيتهم في الشارع السياسي وانخفاض فرصهم الحقيقية في الفوز أو حتى في المنافسة المشرفة، إلا أن هذا الانخفاض في أعداد المرشحين المتوقعين لا يعني إننا سنكون إزاء مرشح وحيد لأن هذه الحالة لا تعبر عن الانتخاب بل تعبر عن الاستفتاء، وفي توقعي أن الانتخابات الرئاسية القادمة ستكون تعددية رغم الانخفاض المتوقع لأعداد المرشحين مع ملاحظة أن التعددية لا تعني بالضرورة الكثرة المبالغ فيها بل تعني مازاد عن مرشح واحد لأن ذلك يتيح فرصة الاختيار والانتقاء والمفاضلة التي تنطوي عليها العملية الانتخابية، وبعبارة أخرى لو كان هناك مرشحان اثنان فقط نصبح إزاء التعددية بهذا المعنى لما يتيحه ذلك من إمكانية المفاضلة والاختيار، وربما يمكن التمييز بين المستويات الثلاثة التالية للمرشحين الرئاسيين. أ - المرشحون ذوو الخلفية العسكرية. ب - المرشحون المعبرون عن التيار المدني. ج - المرشحون الذين يحصلون على دعم التيار الإسلامي. ويتوقع بالنسبة للمرشحين ذوي الخلفية العسكرية ألا تكون هناك تعددية على هذا المستوى بل يكون هناك مرشح وحيد نظرا لما تنطوي عليه المؤسسة العسكرية من نظام وانضباط،كذلك بالنسبة للمرشحين عن التيار المدني فمن المتوقع أن يكون عددهم محدودا وذلك نظرا للرغبة في التنسيق وتكثيف الجهود داخل هذا التيار،أما التيار الإسلامي فقد يعطي أصواته لمرشح متعاطف مع هذا التيار حتى لو كان مدنيا وليس له ارتباط تنظيمي أو مؤسسي بالتيارات الإسلامية ولذلك يكون من المتوقع ألا يقل عدد المرشحين في الانتخابات الرئاسية عن ثلاثة مرشحين مما يضفي فكرة التعددية على هذه الانتخابات التي تقود البلاد إلى استكمال الاستحقاق الثاني من خارطة المستقبل، والمتمثل في وجود رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية صحيحة يحظى بدعم وتأييد شعب مصر العظيم.