شهدت مصر عقب ثورة 25 يناير وحتى وزارة المهندس إبراهيم محلب سبعة تشكيلات وزارية مما يعكس مناخ عدم الاستقرار المؤسسي على مستوى الوزارة نظرا لقصر عمرها الزمني الذي يبلغ خمسة أشهر كمتوسط، وربما يمكن تفسير ذلك بطبيعة التغيرات والتطورات المصاحبة للفعل الثوري، وارتفاع سقف الطموحات لدى الشعب بما لا يتناسب مع الموارد والإمكانيات المتاحة، فضلاً عن وجود العديد من المصاعب والضغوط والتحديات الداخلية والإقليمية والدولية وبصفة خاصة على المستويين الأمني والاقتصادي، فضلاً عن السيولة على المستوى السياسي، وارتفاع وتيرة التظاهرات في بعض الأحيان مما يمثل صعوبة إضافية تعوق عمل الوزارة، ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى الملاحظات التالية: أولاً: أن جميع الحكومات التي تشكلت منذ 25 يناير كان ينظر إليها باعتبارها حكومات قصيرة الأجل أي أن وجودها لا يتجاوز أشهراً معدودة، وربما كان لذلك تأثيره السلبي على أداء الوزارة حيث إن الوزارة قصيرة الأجل ربما لا تهتم كثيراً بالمشاكل الجوهرية ويمكن اعتبار ذلك من أوجه النقد الجوهرية التي توجه إلى الوزارات التي تشكلت في ثلاثة أعوام أعقبت ثورة 25 يناير، حيت تعاقبت الوزارات ومع ذلك ظلت المشاكل والهموم كما هي، وربما تزايدت وتفاقمت في بعض الأحيان، ولذلك يكون من المرغوب فيه وضع استراتيجية طويلة الأمد لمصالح وأهداف الدولة المصرية وتعمل الوزارات المتعاقبة على تحقيق هذه الاستراتيجية خلال فترة تواجدها، وفي إطار الفترة الزمنية التي تستمر فيها وبحيث لا يتأثر هذا العمل بشخص رئيس الجمهورية أو شخص رئيس الوزراء أو أعضاء الوزارة مما يضمن استمرارية العمل الحكومي في جميع المجالات وألا تعود مرة أخرى إلى نقطة الصفر كلما تغيرت الوزارة أو تغير رئيس الوزراء، ويساهم في صياغة هذه الاستراتيجية مؤسسات الدولة المهمة، وبالاستعانة بالخبراء والمتخصصين وبالمراكز البحثية، ولعل النظام الأمريكي يعتبر نموذجاً مهماً لذلك حيث إن الأهداف والمصالح الأمريكية لا تتغير نتيجة لتغير شخص الرئيس أو الحزب الذي ينتمي إليه بل توضع استراتيجيات بعيدة المدى يتم تحقيقها رغم تغير أشخاص الرؤساء والأحزاب التي ينتمون إليها أو تغير الإدارات الأمريكية. ثانياً: كذلك مطلوب من الوزارة المصرية إضافة إلى وجود استراتيجية للعمل الوزاري، أن تكون هناك قدرة على إدارة الأزمات ووضع سيناريوهات للتعامل مع الأزمات المختلفة وربما يتطلب الأمر وضع سيناريوهات مختلفة، والبدائل التي يتم اللجوء إليها إذا وقعت الأزمة، ويقصد بذلك عدم انتظار وقوع الكارثة أو الأزمة ثم التفكير في التصرف المناسب، بل يكون هناك تصور أو توقع مسبق للأزمة وأفضل الحلول لتلك الأزمات، ولذلك فقد يكون من المفيد أن تتواجد خلية لإدارة الأزمة على مستوى كل وزارة على حدة، وعلى مستوى الوزارة ككل وعلى مستوى مؤسسات الدولة المختلفة، وربما يرتبط بذلك أيضاً اتباع آلية مؤسسية لاتخاذ القرار وبحيث لا يكون القرار فردياً أو عشوائياً، وضمان أن يكون القرار المتخذ هو أفضل القرارات وأكثرها ملاءمة، وأن تكون هناك قدرة على تنفيذ القرار عقب اتخاذه، وضرورة أن يتخذ القرار في التوقيت المناسب، لأن اتخاذ القرار قبل أو بعد التوقيت المناسب يترتب عليه العديد من الآثار السلبية. ثالثاً: أن المكاشفة والمصارحة ووجود الحس السياسي تعتبر من العوامل الإيجابية التي تنعكس على أداء الوزارة، بمعنى التواصل والحوار المباشر مع قطاعات وفئات الشعب المختلفة والعمل على حل مشاكلهم واحتوائهم من خلال تفهم مطالبهم المشروعة والعمل على الاستجابة لها وفقاً للإمكانات المتاحة ووفقاً لخطة زمنية وبحيث يكون هذا التوافق والتواصل والتفاهم بديلاً للجوء إلى التظاهر، ويرتبط بذلك أيضاً العمل على تهدئة الشارع من خلال تبني مؤسسات الدولة المختلفة وأهمها الوزارة لمطالب الشعب ومطالب الثورة والعمل على تحقيقها، وتعريف الشعب بحقيقة الأوضاع الاقتصادية والقدرات الذاتية وبضرورة وأهمية تغليب المصلحة العامة للوطن على المصالح الفردية، حيث يمكن تأجيل الأخيرة لفترة زمنية معينة يتم خلالها التفرغ للإنتاج وتنمية القدرات لتحقيق درجة أكبر من الاستجابة للمطالب الشعبية، ومطلوب في جميع الأحوال عدم الإسراف في الوعود والآمال حتى لا تزداد الفجوة بين الطموحات والقدرات ويتحقق ذلك كله من خلال المكاشفة والمصارحة، والمطلوب في جميع الأحيان تحقيق إنجازات على أرض الواقع، حيث يشعر المواطن أن الوزارة تهتم بمشاكله وغير منعزلة عنه، ويرتبط بذلك أيضاً تحقيق التجانس داخل الوزارة وأن يكون هناك توافق على القرارات والسياسات وبما يكفل عدم ظهور الجزر المنعزلة داخل الوزارة أو الأجنحة المتصارعة. رابعاً: أن الوزارة الحالية تواجه العديد من الملفات الهامة وهي استكمال الاستحقاقين الثاني والثالث من خارطة الطريق أي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ومواجهة الإرهاب وحسم المعركة معه في أسرع وقت ممكن واستعادة الأمن في ربوع البلاد، وتحريك عجلة الاقتصاد وزيادة التصدير، وعودة السياحة إلى سابق عهدها وتهدئة الشارع وأخطر هذه الملفات على الإطلاق والمتعلقة بالأمن القومي المصري هو ملف مياه النيل وسد النهضة، بالإضافة إلى تحقيق التوازن والاستقلالية في السياسة الخارجية واستعادة الدور المصري على المستوى الإقليمي والتفرغ لبناء دولة مصرية عصرية وهو ما يتحقق بتضافر جهود الجميع لمواجهة هذه التحديات والعبور إلى بر الأمان سواء كانت هذه التحديات قديمة أو مستحدثة.