يجلس الخبير المروى أمام الكاميرا،ممسكًا بتلابيب أزمة حركة السير فى مصر، قائلًا إن المحاور المرورية غير كافية،وكأن أزمة المرور فى مصر هى أزمة طرق انتهى عمرها الافتراضى، وكأن العاصمة التى يمر بها ملايين السيارات كل ساعة،فى أقل من رُبع مساحتها،تتحمل فتح محاور مرورية جديدة!! وكأن المواطن الصالح الذى يذهب لعمله صباح كل يوم فى أضعاف الوقت المفروض واقعيًا أن يقطعه فى الطريق،ينتظر من ينصح الدولة بفتح محاور جديدة!! إذا كنا نريد حل أزمة المرور، علينا أن ندرك ضرورة استخدام الحل الجذرى، وهو حل مؤلم وطويل الأجل، ولن ينتهى فى يوم وليلة، وإلا سنجد أنفسنا فى معترك «لف ودوران» حول مساحة جغرافية محددة تسير فيها كل هذه الملايين من السيارات يوميًا، وقطعًا تزداد أعدادها،على نفس المساحة، لتستمر الأزمة،ويستمر نفس الخبير يتحدث عن المحاور،التى لايمكن عمليًا اعتبارها حلًا لمشكلة المرور!! لماذا لا نبدأ بجمع كل خبراء الطرق، والإسكان، والمجتمعات العمرانية، المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، مع قيادات المرور فى القاهرة، ونغلق عليهم مبنى مجهزًا للإعاشة، لمدة شهر، ليتباحثوا ويتفقوا على الحل الضرورى للأزمة؟ لماذا لا نضع بين أيديهم تجارب الدول الأخرى التى توجد لديها أعداد لا حصر لها من السكان، مثل الصينوالهند، ونطلب منهم التواصل مع المسئولين فى هذه الدول لنسألهم ماذا فعلتم يا.. «عفاريت» للتخلص من أزمة المرور رغم أن سكان الصين مليار و300 مليون، وسكان الهند يوازى سكان الدول العربية مجتمعة أربع مرات!! هل تعرف أن الصين منحت الفرصة لأحد مخترعيها، لكى يبتكر أتوبيسًا مفرغًا من الأسفل، لكى يمنح الفرصة للمرور من تحته، ولا تتسبب هذه الأتوبيسات فى تعطيل المرور؟ ابتكر المخترع الصيني «ش ين زن هوشى» أتوبيسًا مفرغًا من الأسفل، يحمل حوالى 1400 راكب بالأعلى، ويسير من أسفله في نفس الوقت سيارات كثيرة، وبتلك الطريقة لا يشغل الأتوبيس حيزًا كبيرًا أثناء سيره في الشوارع، فيحمل الركاب مثل الأتوبيسات العادية، وفي الوقت نفسه تسير السيارات من أسفله وكأنه نفق متحرك!! قطعًا هذا الاختراع سوف يواجه فى مصر مشكلة الكبارى التى لا يزيد ارتفاعها على ثلاثة أمتار ونصف المتر،والأنفاق التى يواجه سقفها نفس المشكلة!!لدينا أيضًا مشكلة أخرى هى أن الأتوبيس الصينى الذى سيقلل الازدحام المرورى فى بكين بنسبة تصل إلى 30 %، يتكلف إنتاجه 4.6 مليون دولار للأتوبيس الواحد!! الهند.. يوجد لديها قنبلة مرورية يومية اسمها العاصمة «دلهى»، ورغم ذلك لن تواجهك طوال طريقك،سوى إشارة أو اثنتين،ولاتزيد مدة الانتظار فيها على ثلاث دقائق،هل تعرف كيف؟عن طريق تقليل حجم الناس الذين يضطرون للذهاب للمصالح الحكومية،فقد تقرر تخليص كل مصالح الناس الكترونيًا، ولذلك لم يعد يذهب أحد للهيئات ولا المصالح الحكومية،فالجميع ينهى إجراءاته من منزله،بدءًا من الحصول على التراخيص،وحتى دفع الرسوم.. أيضًا تم تطبيق خطة بناء المجمعات التجارية بصرامة، فأصبح كل مربع سكنى كبير يضم «مول تجارى» يجمع كل المحلات، وطبعًا هذا المول يوجد أسفله جراج كبير، وبالتالى لم تعد مشكلة ركن السيارات أمام المحلات، مثلما يحدث فى شارع فيصل مثلًا،لم تعد موجودة، ولذلك تم منع فتح محلات تجارية فى الشوارع الرئيسية..وأخيرًا قاموا بتحديد مواعيد دخول وخروج المدارس،والجامعات،والشركات، والمصانع، وهذا الجدول الصارم،المقصود منه أن تكون كل ساعة زمنية مخصصة لجهة من الجهات،فإذا كان دخول المدارس فى السابعة،تكون المصالح فى الثامنة، والوزارات فى التاسعة، وهكذا تكون مواعيد الخروج مختلفة، بعكس مصر التى توحد مواعيد الدخول والخروج!! تعالوا نسأل، خبراء البرازيل، التى تتميز بمستوى بارع من التخطيط، فأنت، تقود سيارتك بدون أن تتوقف عند أية اشارة للمرور، ولتوضيح الفكرة، ستجد قائد السيارة يقودها بحيث يمر من تحت جسر صغير وفي الوقت نفسه يمكن أن تعبر سيارة أخرى فوق الجسر، إما ناحية اليمين أو ناحية اليسار.. وهكذا.. كل ذلك بدون إشارات مرورية.. أى أن الطرق كلها فى اتجاه واحد، وتواجهك دائمًا كبارى تعيدك إلى الطريق المقابل!! هذه بلاد عدد سكانها أضعاف أضعافنا،ورغم ذلك لديهم حلول،التى يمكن أن نضيف عليها مشكلة التخطيط التى نواجهها منذ سنوات،حتى مدينة أكتوبر المثالية التى تم إنشاؤها لحل مشكلة التكدس أصبحت جزءًا من المشكلة،لأنها تحولت لمكان سكنى راقٍ، وباهظ الثمن،وفى نفس الوقت مكان يوفر العمل الجيد فى مصانعه،لذلك تجد يوميًا أزمة الزحام فوق المحور،لأن من يستطيع السكنى فى أكتوبر، تكون أعماله فى وسط البلد،والذين يسكنون فى وسط البلد يعملون فى أكتوبر!! الأزمة كبيرة وتحتاج لحل جذرى، يجب الاتفاق عليه قبل أن نجلس فى بيوتنا إجباريًا!!