سلطت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية الضوء على الأزمة الأوكرانية واحتمالية اندلاع مواجهة عنيفة جديدة بين روسيا والغرب بشأن مصير هذا البلد، وكيف لهذا الصراع أن يلعب دورا في تقسيم البلاد وانزلاقها لحرب أهلية. واستهلت الصحيفة وصفها للمشهد - في تقرير بثته على موقعها الإلكتروني - بأنه وسط حالة المأساة والغبطة والارتباك السائد في البلاد، فإن مخاطر تجدد مواجهة بين روسيا والغرب بدأت تلوح في الأفق، حيث أن صراع الشرق والغرب على مصير أوكرانيا قد يودي بها للتقسيم أو للإنزلاق لحرب أهلية، وأنه بالرغم من عظم معركة تكسير العظام بين الكريملين والغرب، إلا أنه على النقيض تماما يتبين أنه من مصلحة روسيا و الغرب الإبقاء على أوكرانيا موحدة الأراضي وألا تتعرض للإفلاس. وذكرت الصحيفة أن نقاش "المصالح المشتركة" بين روسيا والغرب بخصوص أوكرانيا يوصف طوال الوقت بغير الواقعي أو الحقيقي، وهما ما لا يجب أن يكون، حيث إنه قبل سقوط الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش، كانت تدور مؤشرات في الأفق عن قرب عمل روسيا مع الاتحاد الأوروبي سويا، وذلك عندما جاء 3 وزراء خارجية من الاتحاد الأوروبي للتفاوض حول اتفاق قصير الأمد مع يانوكوفيتش، في حضور المبعوث الروسي رفيع المستوى فلاديمير لوكبن، ذو الخلفية السياسية الليبرالية، الذي بعث به الرئيس بوتين- وليس أضحوكة الكريملين كما ادعي البعض. وعن حرب التصريحات، قالت الصحيفة إن ذلك بدا واضحا خلال الأسبوع الماضي من تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الذي أبدى غضبه من إنهيار حلم الشراكة مع بلد الجوار (أوكرانيا)، متهما حشود كييف الضخمة بأنهم مجرد مخربين ومتطرفين لم يفعلوا شيئا، إلا أنهم عاثوا في الأرض فسادا، وهو نوعية الحديث التي يريد أن يبرر به لدولته حق التدخل. وجاء بعدها رد مستشارة الأمن القومي للأمم المتحدة سوزان رايس التي قالت "إنه سيكون خطأ فادحا للحكومة الروسية إذا أرسلت قوات للتدخل في الشأن الأوكراني. وأضافت أنه خلف هذا النوع من الخطابا الساخنة، فإنه يوجد خلاف حقيقي كامن في المصالح ووجهات النظر، حيث إن عددا كبيرا من الروس يرون أنه من الصعب جدا القبول بأوكرانيا كدولة مستقلة، وبالرغم من اعتراف حكومة رئيسهم باستقلاها، إلا أنها ما زالت ترى أن موقع أوكرانيا هام جدا لأمنها القوي وامتداد طبيعي لنفوذها وخلفيتها الثقافية. على الجانب الأخر يبدو الإتحاد الأوروبي مترددا في وعد أوكرانيا بأن تكون عضوا فيه، خشية ضم بلد بهذا القدر الهائل من الفقر- ولكن الأوروبيين والأمريكيين يرون أنه من الضروري الوقوف بجانب أوكرانيا للدفاع عن مبادئ ديمقراطياتها وحق تقرير مصيرها. وذكرت الصحيفة أن روسيا والقوى الغربية ينظر كل منهما للآخر بنظرية المؤامرة، إذا ترى روسيا أن الإيادي الخفية لأجهزة إستخبارات الدول الغربية هي من أشعلت الوضع في أوكرانيا، وأن صانعي السياسات لديهم هم منافقون يريدون تدمير روسيا كقوة لها ثقل عالمي، بينما يرى الغرب يانوكوفيتش وحاشيته على أنهم مجرد دمى في أيدي بوتين يحركها كيفما يشاء وأن نظام الكريملين يتمتع بفساد وقمع على مستوى واسع... وسواء هنا أو هناك فهذا لا يمكن أبدا أن يكون قماشة واعدة لبناء تعاون دولي بشأن أوكرانيا ليصب في مصلحة الجميع. وأضافت أنه إذا تعرضت أوكرانيا للإنزلاق لحرب أهلية فهذا سيكون بمثابة المصيبة لروسيا من عنف ولاجئين فارين على الحدود، كما أن مصير القاعدة الروسية البحرية الموجودة في شبه جزيرة القلمون بأوكرانيا لا يعرف أحد أين سيكون مصيرها مع تسمم العلاقات تماما بين روسيا والغرب، حيث رأى الكثيرون أن البلد مقبلة مرة أخرى على حرب باردة مع الغرب ولكن هذه المرة لن تكون تحت غطاء العباءة السوفيتية. واختتمت الصحيفة مؤكدة أن خطر إنزلاق أوكرانيا للحرب الأهلية سيكون أيضا كارثة للإتحاد الأوروبي، مع إشتعال الصراع السوري، سيجد نفسه يحارب على الجبهتين الجنوبية والشرقية له، كما أن الإنهيار الإقتصادي لأوكرانيا وعجزها عن سداد مديونياتها سيكونان سببين كافيين لتدمير روسيا والإتحاد الأوروبي، لذا يجب على الشرق المتمثل في "روسيا" والغرب المتمثل في "الإتحاد الأوروبي وأمريكا" أن يقدم كل منهما تنازلات للطرف الآخر.