يخلع المشير عبد الفتاح السيسي قائد جيش مصر رداءه العسكري استعداداً لخوض معركة الرئاسة. وهي خطوة ظل متردداً في اتخاذها لفترة طويلة لأسباب عديدة. منها أنه يعرف حجم المشاكل والتحديات التي سيكون عليه مواجهتها إذا تولى الرئاسة (كما هو مرجح)، حيث الأوضاع الاقتصادية السيئة، والحرب ضد عصابات الإرهاب بقيادة الإخوان، والأوضاع الاجتماعية التي تعاني من ميراث سياسات امتدت لعقود ساد فيها الفساد ودفع الفقراء والطبقة الوسطي الثمن غالياً. لكن ذلك كله لم يكن وحده ليمنع السيسي من الإقدام على تحمل المسؤولية، وهو الذي اتخذ أصعب القرارات بانحياز الجيش للشعب في 30 يونيو، وإنما كان هناك أيضاً هذه الحملة التي قادتها أميركا منذ اللحظة الأولى لسقوط حكم الإخوان الفاشي الذي راهنت عليه واشنطن، وأعطته كل دعمها ومساندتها. منذ هذه اللحظة بدأ التآمر على ثورة مصر في 30 يونيو ومحاولة تصوير الأمر على انه "انقلاب عسكري" في تجاهل متعمد لخروج أكثر من ثلاثين مليون مصري إلى الميادين لإسقاط نظام الإخوان، وفي تزييف واضح للحقيقة التي تقول إن ما فعله الجيش مع ثورة 30 يونيو، لا يختلف (إلا في التفاصيل الصغيرة) مع ما فعله مع ثورة يناير.. في الموقفين انحاز الجيش لإرادة الشعب، والفارق عند واشنطن أنها كانت راضية عن موقف الجيش في ثورة يناير لأنها كانت قد قررت التخلي عن حكم مبارك. بينما كانت تقاتل في 30 يونيو (وقبلها وبعدها) من اجل الحفاظ علي حليفها الجديد الذي توهمت أنه سيكون أداتها في تغيير خريطة الحكم في الوطن العربي، فإذا بمصر ( شعباً ودولة وجيشاً) تسقط هذا الرهان!! لكن عداء واشنطن للثورة، وضغوطها على مصر وأشقائها العرب، ودعمها لعصابة الإخوان الإرهابية. كل هذا لم يكن له من أثر إلا صلابة الموقف المصري، واستمرار التلاحم بين الشعب والجيش خاصة بعد ما رأوه من انحطاط العصابات الإرهابية. تسلم السيسي قيادة الجيش في ظروف بالغة الصعوبة. كان الاخوان قد تسلموا الحكم بعد تجربة مأساوية للمجلس العسكري كادت تودي تماماً بثورة يناير لتنتهي بمصر إلى إمارة إخوانية. وكان المعزول مرسي قد أطاح بقيادة هذا المجلس (المشير طنطاوي والفريق عنان وكبار الأعضاء) وجاء السيسي قائداً عاماً للجيش. ولا أظن أن الاخوان جاءوا به لأنه رجل متدين مثل غيره من المصريين المعتدلين، ولا أن قرابته البعيدة لأحد زعمائهم السابقين يمكن ان تؤثر عليه، ولكن قد يكون العامل الأهم ان السيسي ورئيس الأركان الفريق صبحي كانا يمثلان اول قيادة لجيش مصر تلقت دراساتها العليا في أكبر الأكاديميات العسكرية الأميركية، بعد نصف قرن من القيادات التي كانت مرتبطة بالأكاديميات الروسية ( السوفييتية سابقا) أو التي جمعت بين المدرستين الروسية والأميركية مثل أبوغزالة، ولهذا كان الترحيب الأميركي بتغيير القيادة العسكرية في مصر. وقد كانت مهمة السيسي في غاية الصعوبة. فقد تسلم قيادة جيش خرج بعد عام ونصف العام من ثورة يناير وهو مثمن بالجراح. كانت عصابات الإرهاب تعربد في سيناء تحت رعاية الإخوان، وكان جنود وضباط الجيش في حالة معنوية سيئة وهم يشاهدون قياداتهم تعزل من الرئيس الذي كانوا وراء وصوله للحكم، بينما "الإخوان" لا يكتفون بذلك بل يعدون العدة لتكوين "جيشهم " الخاص انطلاقاً من تحالف عصابات الإرهاب على أرض سيناء ! ومع استعادة الجيش معنوياته وكفاءته في هذا الزمن القياسي، كانت الجسور تبنى من جديد مع كل طوائف الشعب، وكانت العلاقة الممتدة على مدى التاريخ تعود لقوتها. وكان الشعب يعطي دعمه لأبناء القوات المسلحة وهم يخوضون الحرب ضد عصابات الإرهاب في سيناء، في نفس الوقت الذي كان الجيش ينحاز للإرادة الوطنية والاستقلال الوطني ضد ممارسات "الإخوان". هكذا تم إحباط مخططات هيمنة الإخوان وحلفائهم على قناة السويس، وتم ضرب مخططات بث الفتنة بين الجيش والشعب، لينتهي المطاف بخروج الملايين في 30 يونيو. وحين وقف السيسي في 3 يوليو ليعلن باسم قوى الشعب التي التفت حوله سقوط حكم الإخوان، كان حريصاً على أن يعلن خريطة الطريق التي كانت القوى السياسية كلها قد اتفقت عليها. الوجه الآخر للمشكلة أن فرق النفاق قد بدأت عملها، وتصورت ان إحدى مهماتها ان تسارع بالهجوم على أي شخصية يحتمل دخولها في سباق الرئاسة، وهو نفاق لا يحتاجه السيسي، وأظنه يضر بأكثر مما ينفع. مهمة السيسي الآن أن يؤكد انه ليس مرشح الجيش بل مرشح 30 يونيو بكل مقوماتها وأجنحتها السياسية، وأن يوقف هذا العبث الذي يمارسه البعض باسمه، وأن يبدأ من الآن إعداد فريق العمل الذي يعاونه، وان على كل قوى الثورة ان تتفق على مرشح وعلى برنامج للعمل يحشد كل القوى لمواجهة التحديات الصعبة التي تواجه مصر في المرحلة المقبلة، سواء كان هذا المرشح هو السيسي أو غيره. نقلا عن صحيفة اليان الاماراتية