أعتقد أن ترشح المشير عبد الفتاح السيسى لرئاسة الجمهورية, بات قاب قوسين أو أدنى, كما أن احتمالات فوزه أصبحت هى الاقرب لاسبابٍ موضوعيةٍ لا يتسع المقام لشرحها الآن. وإذا كان المنتظر منطقياً, ترشح آخرين لمنافسته على المنصب, إلا أن الظروف الخاصة التى تحيط به, والدور الوطنى البارز الذى كان له فى ثورة 30 يونية, والمكانة التى اكتسبها فى قلوب المصريين, ثم الآمال المعقودة عليه هو بالذات فى حال فوزه, تجعلنى أتوجه بحديثى اليوم إليه شخصياً - قبل غيره من المرشحين المحتملين - لتذكرته بعدة أمورٍ هامة لا أظن أنها غائبةٌ عنه, ولكنى سأعرض لها امتثالاً لأمر المولى سبحانه وتعالى «فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين», كما أن هناك بعض المخاوف التى أستشعرها وأرى من المناسب أن نحذر منها حتى نصل بسفينة الوطن إلى بر الأمان. وقبل أن أتطرق إلى موضوع الحديث, أجدُ أن هناك مسألة قانونية تناولها البعض بإسهابٍ مخل أو تحريفٍ مُضل, وأرى وجوب شرحها ببساطة لإزالة اللبس فى الفهم والحد من الاستغراق فى أمورٍ هامشية, وهى مسألة قيد المشير بجداول الانتخاب, وما ذهب إليه البعض من ضرورة استقالته من منصبه قبل ترشحه للرئاسة. وهنا نوضح أن القيد فى الجداول الانتخابية فى ظل دستور سنة 71, كان يحتم على المواطن اجراءً يتخذه بنفسه, وهو التقدم بطلبٍ خلال المواعيد المقرره قانوناً لقيده بالجدول الانتخابى, أما الآن فقد تعدل هذا الوضع, وأصبح قيد المواطنين, بالجداول الانتخابية يتم بآليةٍ تلتزم بها الدولة من تلقاء نفسها لكل من بلغ الثامنة عشرة من عمره من واقع الرقم القومى, وذلك إعمالاً لنص المادة 55 من الدستور السابق والمادة رقم87 من الدستور القائم, وهو ما يعنى فرضية أن المشير السيسى مقيدٌ بالجداول الانتخابية, وإلّا جاز له مقاضاة الدولة. أما بالنسبة لاطروحة الاستقالة من المنصب قبل طلب الترشح, فبادئ ذى بدء يجب ملاحظة أن الدستور القائم قد ساير الدساتير السابقة, حيث نص فى الفقرة الأولى من الماده رقم87 على أن مشاركة المواطن فى الحياة العامة واجبٌ وطنى, وفى عجز ذات الفقرة أجاز الإعفاء من أداء هذا الواجب فى حالاتٍ محددةٍ يبينها القانون. ومفهوم النص على هذا النحو أن مشاركة المواطن فى الحياة العامة, سواءً بممارسة حقه فى الانتخاب أو الترشح, هو واجبٌ وطنى يتعين عليه الوفاء به ما لم يكن لديه مانع شخصى من أدائه, وإلا وقع تحت طائلة القانون. وبالتالى فإن مصطلح الإعفاء من أداء هذا الواجب, لا يعنى المنع, وإنما يعنى رخصةً بعدم أدائه دون مسائلةٍ قانونية. ولقد درجت قوانين مباشرة الحقوق السياسية, على إعفاء بعض الفئات من ذلك الواجب الوطنى, وكان من بينها القوات المسلحة التى قننت الإعفاء كالمنع, ودأبت على منع رجالها من ممارسة حقهم وواجبهم فى هذا المجال. فإذا افترضنا صدور القانون المرتقب لتنظيم مباشرة الحقوق السياسية, ونص على منع - وليس إعفاء - رجال القوات المسلحة من مباشرة هذا الحق السياسى, فسيتعين فى هذه الحالة على المشير «السيسى» لقبول ترشحه للرئاسة, استقالته من منصبه كقائدٍ عام للقوات المسلحة, مع جواز بقائه فى مناصبه الثلاثة الأخرى التى يشغلها وهى نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير دولة للانتاج الحربى, لأنها مناصبٌ سياسية, ولا يشترط قانوناً الاستقالة منها للترشح. أعود لموضوع حديثى, فأذكر السيد المشير بصفته المرشح المنتظر لرئاسة الجمهورية بالآتى:(1) أن التحديات الخارجية التى ستواجه الرئيس القادم خطيرةٌ جداً, والتحديات الداخلية جسيمةٌ وثقيلة, وكلها تتطلب رئيساً وطنياً تسانده قوةٌ غيرُ تقليديةٍ يستطيع بها فرض الإرادة والمصلحة المصرية على الخارج والداخل, ولا تملك الدولة المصرية من تلك القوة فى هذه المرحلة, سوى قوة واحدة, هى الإجماع الشعبى وتماسكه على قلب رجل واحد وإلتفافه حول رئيسه, وهذا لن يتأتى لرئيسٍ إلا بالصدق والاخلاص فى القول والعمل والقصد, والالتزام بالقيم المصرية الاصيلة فى شتى نواحى الحياة, فهذا هو مفتاح الطريق لقلوب المصريين وليس أى شىء آخر. (2) أن من مقومات توحيد الصف على نحو ما اسلفنا, هو مصارحة الشعب بحقائق الحالة المصرية مهما كانت مؤلمة, ومكاشفته بالمعلومات والتوصيف الصحيح لكل الاحداث التى شهدها الوطن, مهما كانت صادمة, لأن ضبط الصورة الذهنية لدى المواطنين, هو ركيزة توحدهم وانطلاقهم للمستقبل. (3) إن دور المؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية قد اكتمل نهائياً بموقفها الوطنى فى ثورة 30 يونية, وبالتالى فلن يتسع المجال لأى دورٍ آخر لها فى المرحلة المقبلة, نظراً لكثيرٍ من المتغيرات الداخلية ومستجدات الاحداث الدولية. (4) أن حكم مصر لا يمكن أن يستقر ويجابه تحديات الحاضر والمستقبل ويحقق طموحات الوطن, إلا بمشاركةٍ حقيقيةٍ وفعليةٍ من كل القوى الوطنية, مهما كان حجمها ومهما كانت توجهاتها. ومن ثمَّ فإن الرئيس القادم يجب أن يكون مؤمناً بهذه الحقيقة, ولديه القدرة على صنع المنظومة المناسبة لإنفاذها, بل ويبرهن عليها من الآن. (5) إن المصالحة الوطنية هدفٌ قومى فى المرحلة القادمة, ولكنها يجب أن تستهدف كل فصائل المجتمع وليس فصيلاً واحداً, وأن تعتمد على مراجعة الفكر والمعتقدات وليس على تبادل المصالح ومنطق الصفقات. (6) إن مرحلة التحول الثورى التاريخى التى تمر بها مصر الآن, والتى تشابه فترة خمسينيات القرن الماضى, تنذر باحتمال شن الحرب عليها من الخارج, وهو ما يجب التحسب له عسكرياً وسياسياً واقتصادياً, كما أن محاولة اغتيال الزعيم الخالد جمال عبدالناصر فى أحد مؤتمراته سنة1954 يجب الاحتياط منها جيداً, لعدم تكرارها من نفس الجماعة الإرهابية التى مازالت تكرر كل سيناريوهاتها السابقة, وفقاً لأهدافها التآمرية التى لم تتغير. حفظ الله مصرنا الغالية, وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل،، E-Mail :