مازال الدخان تحت الرماد داخل اتحاد عمال مصر، عقب الانقلاب الأخير الذى دعمه كمال أبوعيطة وزير القوى العاملة، وأطاح بعبد الفتاح ابراهيم رئيس الاتحاد السابق وأتى بجبالى المراغى رئيس الاتحاد الأسبق ليتولى رئاسة الاتحاد. وتتجلى تلك الحرب وتظهر فى استخدام وسائل الإعلام واستغلال بعض الصحفيين لترويج اخبار غير مؤكدة أو مجهلة المصادر، ويكتشف عدم صحتها، وهو أمر يحدث شبه يومي، حيث تروج أخبار عن قرب إقالة كمال أبو عيطة وزير القوى العاملة.. لدرجة أن تلك الاخبار رغم عدم صدقها هزت الوزير الذى قال فى أحد اللقاءات بالطلاب بالجامعة العمالية أنه لم يتلق أى إخطار من مجلس الوزراء بأنه سيبقى أم لا فى الوزارة. عبد الفتاح ابراهيم لم يصمت أمام عملية إزاحته بل ملأ الدنيا صخبا دون هوادة، وقرر عقد جمعية عمومية طارئة فى نقابة الغزل والنسيج. وقامت الجمعية بالهتاف ضد الوزير «أبوعيطة» ورفض إزاحة عبد الفتاح.. بينما جهز الجبالى هو الآخر نقابة النقل البرى لمساندته ضد معارضيه وتأييده. كما لم يترك بعض الصحفيين بتحريض من أتباع ورجال عبد الفتاح ابراهيم أى مناسبة إلا وانتقدوا الوزير أبوعيطة فى أخبار مجهلة آخرها خبر نشر بأن الحكومة المصرية تدرس حاليا سبل الضغط على أطراف العمل من أصحاب عمل ونقابات عمالية بهدف سرعة إصدار قرار الحد الأدنى للأجور فى القطاع الخاص، بحيث يكون عبارة عن إعانات ومنح وحوافز ومكافآت على الراتب طبقا لظروف كل منشأة. كما أن المشروع الذى وافقت عليه الحكومة مع أصحاب الاعمال سرا لا يتضمن أية مزايا جديدة للعمال فى القطاع الخاص، فضلا عن أن الكارثة الكبيرة تكمن فى استثناء بعض القطاعات والمناطق الجغرافية من وضع حد أدنى للأجور، ومنها الغزل والنسيج والملابس والسياحة وكذلك قطاع الصعيد بأكمله. وقالت مصادر: إن هذا المشروع هو الذى سيجري التوقيع عليه بعد الضغط على ممثلي أطراف العمل فى مجلس الأجور. ودعت مصادر كافة القوى النقابية والعمالية إلى الوقوف ضد هذا المخطط الذى يسبقه قرار «فشنك» اتخذته الحكومة، وهو الحد الأدنى للأجور للعاملين بالدولة، والذى لم ينفذ على عمال القطاع العام وقطاع الأعمال العام. ورغم أن الوزير أبوعيطة لم يحقق بعد أى نجاحات ملموسة فى وزارته، إما بسبب الإمكانيات أو عدم وجود رؤية واضحة لإدارة الوزارة.. لكن الأخبار المجهلة المصادر والتى تبدو حرباً مقصودة هى الأخرى سوف تصبح شماعة للفشل الوزارى. وعلى الناحية الأخرى يصر جبالى المراغى، رئيس الاتحاد الجديد، على تلميع الوزير من خلال الإعلام والصحفيين المؤيدين له.. بل ويحرص على اصطحاب الوزير فى جولات مصطنعة هدفها الكيد للطرف الآخر، ويرى المراقبون وخاصة معارضى اتحاد العمال الرسمى وهم من النقابات المستقلة، أنه يجب تغيير شامل فى قيادات الاتحاد بأكملها، خاصة أنها تنسى مهمتها الرئيسية، وهى الدفاع عن العمال، وتتجه إلى السياسة، حتى أن عبد الفتاح ابراهيم لم يجد وسيلة للضغط على الحكومة حتى يعود الى منصبه، سوى إعلانه إنشاء حزب العمال، وأعلن ذلك فى الجمعية العمومية الأخيرة بنقابة الغزل والنسيج. والمراقبون، خاصة ممن هم خارج الاتحاد أكدوا أن الاتحاد انشغل بالصراعات الداخلية عن العمال، وأصبح همه الوحيد تماما كما فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك هو إرضاء السلطة لتقلد المناصب داخل الاتحاد.. والقوانين خاصة قانون النقابات العمالية يجب أن تعدل، خاصة أنها هى السبب فيما وصل اليه اتحاد العمال فى التسابق على إرضاء السلطة دون الالتفات الى مشاكل العمال، فقال الناشط العمالى ومسئول دار الخدمات النقابية كمال عباس، إن قانون النقابات العمالية رقم 35 لسنة 76 وتعديلاته يصادر حق العمال فى إنشاء نقاباتهم ويفرض عليهم تنظيمًا نقابيا واحدا يخضع لسلطة الدولة ويجبر العمال بنص القانون على الاشتراك فى هذا التنظيم النقابى، فتكون النتيجة أننا أمام تنظيم نقابى ضخم الجثة ولكنه مشلول الحركة لا يتبنى مطالب العمال بقدر ما تسعى قياداته لإرضاء أى سلطة، وهذا الوضع النقابى ليس له مثيل فى العالم، والمشكلة ليست فى عمل قانون جديد للنقابات العمالية أو قانون للعمل أو آخر للتأمينات فذلك ليس المشكلة، المشكلة الحقيقية هى كيف نستطيع أن نخرج هذه المشاريع إلى النور فكلنا نعلم ماذا كان مصير قانون الحريات النقابية الذى صدر عام 2011 وظل حبيس أدراج المجلس العسكرى بعد أن صدق عليه مجلس وزراء عصام شرف. فقد ذهب عصام شرف وذهب المجلس العسكرى ولم يرَ مشروع قانون الحريات النقابية النور، وهو نفس المصير الذى يلقاه الآن المشروع المقدَّم لحكومة الدكتور حازم الببلاوى، فما زال المشروع حبيس أدراج مجلس الوزراء. المشكلة تكمن فى أهمية وجود إرادة سياسية حقيقية لتغيير هذه القوانين التى أشرنا إليها، وأيضًا عدد من القوانين الأخرى الخاصة بالتعليم والصحة، ومجموعة القوانين التى تصادر الحريات وعلى رأسها قانون التظاهر فتغييرها طبقًا لمواد الدستور هو بداية لتأسيس الدولة المدنية، دولة الحرية والعدالة الاجتماعية، ولكن إصدار هذه القوانين وتحويلها من مشاريع قوانين على الورق يحتاج ليس فقط إلى الإرادة السياسية ولكن إلى قوة من أصحاب المصلحة. فعلينا جميعًا أن نعمل بأقصى جهد من أجل الضغط من أجل تغيير منظومة القوانين الاستبدادية وعلى رأسها قانون النقابات العمالية، وهو ما يطرح علينا أهمية أن نمتلك آليات الضغط والعمل، وأقصد هنا التنظيم السياسى والتنظيم النقابى، فدون أن ننجح فى إنشاء منظمات نقابية وأحزاب سياسية قوية قادرة على إنجاز هذه المهمة، سيكون من الصعب علينا أن ننتصر ونحقق حلمنا فى تفكيك الدولة الاستبدادية ووضع أركان بناء الدولة المدنية الحديثة.