كثيرٌ من الأصدقاء والزملاء وحتى الأقارب، لا نجد أمامنا من سبيل، سوى أن نقول لهم: "لقد نفد رصيدكم من المحبة"، إيذانًا بانقطاعها إلى غير رجعة، وبدء مرحلة جديدة من الجفاء والقطيعة، يمكن أن تطول لفترات، لا يعلم مداها إلا الله. عندما يصل الحوار إلى درجة من عدم الاحتمال، فليس أمام الإنسان، إلا أن يختار الصمت عزوفًا عن مشادَّات يجدها إهدارًا للوقت بلا معنى، واستهلاكًا لرصيد المحبة دون جدوى، إلا أن يكون صمتًا عن حق متيقن، أو أن يلجأ إلى التجاهل، ثم التجاهل؛ لأنه لا شيء بالفعل وقتها يستحق الاهتمام. من حقي ومن حق غيري أن نطرح آراءنا وندافع عنها، وأن يعذر بعضنا بعضًا؛ في حدود آداب الحوار الراقي البنَّاء، وأصول اللياقة؛ فإذا وصلت الخلافات إلى درجة لا تُحتمل، فليس أمام أيّ صاحب رأي إلا أن يتوقف، احتراماً لنفسه ونأيًا عن مزيد من الابتعاد والهجر. إن ما نعيشه، وما يحيط بنا، من غياب تام لثقافة الحوار، وتدني لغة التخاطب، والافتقار إلى الحكمة في التعامل بين الناس، وغياب لغة مشتركة للتفاهم والتقارب، لا أقل من أن نصفها بالعبث الممنهج، لأن العلاقة التي تصل إلى مرحلة اللامبالاة، هي في الواقع علاقة ميتة، بسبب عدم وجود الدافع للتغيير. ولعل ما نراه الآن، هو انزلاق الكثيرين إلى حافة الهاوية في لغة التخاطب، فلم يعد هناك أي درجة من تحمل النقد أو الاختلاف، أو أي قدرة على تقبل الرأي الآخر، فأصبح العنف اللفظي مباحًا، بين المتحاورين، والذي بدوره قد يصل أحيانًا إلى درجات أعلى من السب والقذف. لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة، والتي بالطبع ليست ملكًا لشخص بعينه، فالإنسان عندما يترك العنان لخياله ووساوسه وأفكاره، التي تؤيد ما يعتقده؛ هو وحده فقط؛ تكون الهوة سحيقة مع الآخرين، ولذلك إذا كنَّا نتوقع بأننا لا نستطيع إقناع الطرف الآخر، أو أننا في وسط لا يستجيب لنا ولا يحتوينا ولا يتفهم أفكارنا، فيجب ألا نناقش. إننا نتوقف في حياتنا كثيرًا عند محطات، نخوض فيها حوارات مع آخرين، تتحول إلى من محاولات استقطاب حادة في النقاش، نتيجتها تكون بالتأكيد، انحياز غير مقنع إلى طرف، أو عداء لا مبرر له مع طرف آخر، وكما قيل: "إذا كان انتظار المصارحة مؤلم، فإن غطاء المجاملة مهين"!. ونستطيع القول بأن السكوت يكون في بعض المواقف أفضل وأبلغ من الجواب والجدال العقيم، وكما يقول الشاعر: "الصمت عن جاهل أو أحمق شرف، وفيه أيضًا لصون العرض إصلاحُ"، لذلك نعتقد بضرورة عدم الخوض في نقاشات عقيمة، لأن الدنيا والعمر أقل زمنًا من أن نهدرها في نقاش لا يجدي، لأن النتيجة ستكون معروفة سلفاً بأن ما يحدث هو "حوار الطرشان"!