فى المهمة الصعبة، التى يضطلع بها فى التوسط بين وفدى النظام والمعارضة السوريين فى جنيف، يستخدم الأخضر الإبراهيمى (80 عاماً) الحزم والبراغماتية والمزاح، ويتسلح بالصبر، مكرراً أن "مجرد جمع الطرفين إلى طاولة واحدة إنجازا فى ذاته". ويشرف هذا الديبلوماسى المخضرم منذ 25 يناير على "حوار" بين طرفين يتحاربان منذ ثلاث سنوات وجلبتهما الضغوط الدولية إلى جنيف، ويعقد يومياً مؤتمراً صحفياً مقتضباً حول مسار الجلسات من دون أن يشفى غليل الصحفيين الذين يتولون تغطية المحادثات. ويدرك الإبراهيمى منذ اللحظة الأولى صعوبة المهمة، التى يقوم بها بين طرف متمسك بالبقاء فى السلطة وآخر مصمم أكثر من أى وقت مضى على الإطاحة به. ولعل إدراكه هذا جعله يقول أنه لم يشعر بأى "خيبة أمل" إزاء عدم تحقيق أى "تقدم ملموس" فى المفاوضات، لأنه لم يكن ينتظر مثل هذا التقدم. ويكرر أنه سعيد وراض لأن الطرفين يبديان تصميماً على البقاء ومتابعة التفاوض، وأنه لم يتوقع "معجزات" وأن لا وجود ل"عصا سحرية"، وأن الحل "لن يتحقق اليوم أو غداً أو الأسبوع المقبل". على الرغم من تعقيدات المهمة، يبقى سريع النكتة فى أجوبته على الصحافيين التى تتسم بالكثير من العفوية. ورداً على سؤال عن الطريقة التى سيتمكن فيها من تقريب وجهات النظر بين الطرفين، قال الأبراهيمى باسماً: "اذا كانت لديك أفكار، أتقبلها بسرور". وداخل الجلسات المغلقة، يلجأ غالبا إلى ممازحة المفاوضين، وفق ما نقل عنه أحد المشاركين. وقد قال للمجتمعين مرة: "على الوتيرة التى نسير عليها، سيستغرق الأمر عشرين عاماً. لا بد من الاستعجال، بعد عشرين سنة، لن أكون هنا". إلا أن ليونته الدييبلوماسية لا تعنى أنه لا يكون حازماً إلا عندما يستدعى الأمر ذلك. ويروى مصدر مطلع على المفاوضات أن الإبراهيمى تعرض فى إحدى الجلسات لتهجم شخصى من أحد أعضاء وفد المعارضة، فكان جوابه قاسياً. كما يرفض فى مؤتمراته الصحفية بإصرار الرد على ما يسميه "الأسئلة الملغومة"، التى يطرحها صحافيون قريبون من المعارضة أو النظام وتتضمن مواقف سياسية أو تحاول جعله ينزلق فى اتجاه اتخاذ موقف ما. ولم يتعرض أداء الإبراهيمى حتى الآن لأى انتقاد علنى من أى من الطرفين. وردا على سؤال طلب منه صاحبه أن يجيب عليه "بشفافية"، قال الإبراهيمى: "أنا كل كلامى شفاف"، ثم استدرك "حتى كلامك شفاف"، فى إشارة إلى أنه يستشف من السؤال ميل الإعلامى السياسى. وقالت متحدثة باسم الإئتلاف الوطنى لقوى الثورة والمعارضة السورية رفيف جويجاتى: إن وفد المعارضة "ممتن للسيد الإبراهيمى لتسهيله المحادثات وإعطائنا الفرصة لعرض رؤيتنا لسورية الجديدة". وأشارت إلى أن "كون الإبراهيمى عربياً ويتكلم العربية ويفقه الثقافة العربية، يلعب دوراً مهماً". ويقول فريد ايكهارت، المتحدث السابق باسم الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفى أنان أن "الأخضر الإبراهيمى يتمتع بنزاهة وصراحة متميزيتن بالنسبة إلى ديبلوماسي"، مضيفاً "اعتقد أن هذا يجعله موضع ثقة على الفور". وقد خلف الإبراهيمى أنان فى مهمة الوساطة فى سوريا، بتكليف من الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون. ويقول عميد كلية العلاقات الدولية فى جامعة باريس للعلوم السياسية غسان سلامة، الذى يعرفه عن قرب ان الابراهيمى يتمتع ايضاً "بصبر لا محدود بالنسبة الى رجل بلغ الثمانين"، مضيفاً "يبحث باستمرار عن نقاط الضعف عند المتنازعين ويسعى من دون هوادة وراء هدفه النهائى على الرغم من كل التعقيدات". وقال الابراهيمى للصحفيين قبل ايام "انا متهم غالباً باننى بطيء، لكن اعتقد ان ذلك يبقى اكثر سرعة من التسرع". بتوليه مهمة التوسط بين السوريين، يكون الديبلوماسى الجزائرى تخلى مرة جديدة عن تقاعده. وقد سبق له ان كان موفدا للامم المتحدة الى افغانستان بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001، والى العراق فى 2003. الابراهيمى والد لثلاثة. يتكلم الانجليزية والفرنسية بطلاقة، كان وزيراً للخارجية الجزائرية. عرف للمرة الاولى كوسيط خلال المفاوضات بين الاطراف اللبنانيين فى مدينة الطائف السعودية، التى انتهت باتفاق وضع حداً لحرب اهلية استمرت 15 عاماً. ثم اصبح موفداً خاصا للامم المتحدة فى نقاط ساخنة عدة من العالم، اذ تولى رئاسة بعثة الاممالمتحدة فى جنوب افريقيا خلال انتخابات 1994، التى اتت بنلسون منديلا رئيساً. واوفد الى اليمن فى خضم الحرب الاهلية. والابراهيمى عضو فى مجموعة "الدرز" (القدامى) التى تجمع شخصيات تعمل على حل النزاعات المسلحة بينها الرئيس الامريكى السابق جيمى كارتر وانان والاسقف الجنوب افريقى ديسموند توتو. وفى احد تصريحاته حول المهام التى قام بها فى حياته، قال الابراهيمى انه لم يشعر فى اى مرة بان "هناك وضعا ميؤوساً منه".