استقبل المصريون جميعاً خبر إلقاء القبض علي رجل الأعمال الهارب حسين سالم بحالة من السعادة علي أمل أن تأخذ العدالة مجراها مهما طال أمد هروب الهاربين، وفي الوقت نفسه أصاب هذا الخبر باقي المتهمين في قضايا بالفساد بحالة من الرعب خوفاً من أن يئول مصيرهم إلي نفس هذا المصير. وأصبح السؤال الذي يتردد في أذهان الجميع: متي يتم إلقاء القبض علي باقي الهاربين؟ ومتي تتم محاكمتهم علي كل ما ارتكبوه في حق الشعب المصري من جرائم؟ حسين سالم، رشيد محمد رشيد، يوسف بطرس غالي، حسين سجواني، ياسين منصور، هشام الحاذق، ووحيد عطا الله.. أسماء سبعة من كبار رجال النظام السابق أصدر الإنتربول نشرة حمراء تم توزيعها علي 184 دولة بترقب وصولهم، وبالفعل تم إلقاء القبض علي رأس هذه القائمة منذ عدة أيام في إسبانيا، وأصبح الجميع في حالة ترقب لإلقاء القبض علي باقي المتهمين الهاربين، خاصة أن الإحصاءات تؤكد أن هناك ما يقرب من 404 مصريين وهم هاربون في الخارج ومطلوبون في الدول الأوروبية والعربية مازالوا تحت الملاحقة وعلي رأسهم ممدوح إسماعيل صاحب العبارة السلام 98 التي غرقت وعلي متنها 1033 شخصاً ولم يعاقب صاحبها ومازال هارباً في لندن، يعيش فيها ويستمتع بالأموال التي جناها من علاقته بالنظام السابق. ورغم أن رموز النظام السابق الهاربين مطلوبون بموجب النشرة الحمراء التي أعدها الإنتربول المصري وتم توزيعها علي معظم الدول لإلقاء القبض عليهم، إلا أن معظمهم يقيم في لندن التي لا توجد بينها وبين مصر اتفاقية لتسليم المجرمين، وبالتالي بات من الصعب القبض عليهم وعلي رأس هؤلاء ممدوح إسماعيل، ويوسف بطرس غالي الذي سافر إلي لبنان يوم 11 فبراير الماضي، ومنها إلي لندن، واستخدم في تحركاته جواز سفر دبلوماسياً مصرياً، وأشيع أنه توجه منها إلي أمريكا وحتي اليوم لم يتم إلقاء القبض عليه رغم صدور حكم من المحكمة ضده بالسجن لمدة 30 عاماً وغرامة قدرها حوالي 60 مليون جنيه مصري، كذلك تضم القائمة وزير الصناعة الأسبق رشيد محمد رشيد الذي غادر القاهرة إلي دبي وإبان الثورة وفور بدء طرح اسمه في التحقيقات أكد في مداخلات هاتفية بأحد البرامج الإخبارية التليفزيونية أنه سافر في رحلة إلي دبي، ولو أخطرته السلطات المصرية بالتحقيقات معه لعاد، إلا أنه مازال هارباً حتي الآن، رغم اتهامه في عدة قضايا فساد وإهدار للمال العام داخل وزارته بالتعاون مع مجموعة من مرءوسيه وعلي رأسهم حلمي أبو العيش رئيس جهاز تحديث الصناعة وأدهم نديم المدير التنفيذي للبرنامج، وأشيع مؤخراً أنه لحق بغالي في لندن أيضاً، التي يعتبرها الكثيرون قبلة للهروب نظراً لعدم وجود اتفاقية لتبادل المجرمين بينها وبين مصر. جدير بالذكر أن مصر تربطها اتفاقيات لتسليم المجرمين مع 24 دولة أجنبية، و13 دولة عربية، هذه الاتفاقية تتيح للدول الموقعة عليها تبادل وتسليم المجرمين المطلوبين في هذه الدول، فهل تنجح هذه الاتفاقيات في تسليم المجرمين الهاربين من العدالة في مصر، وعلي رأسهم رموز النظام السابق؟ الدكتور أحمد رفعت: الجنسية.. التحدي الأكبر في ملف التسليم الدكتور أحمد رفعت أستاذ القانون الدولي وعميد كلية الحقوق جامعة القاهرة فرع بني سويف يقول إن المشكلة التي تواجه تنفيذ المعاهدات الدولية في تسليم المجرمين هي مشكلة الجنسية، حيث إن الدول ترفض تسليم رعاياها، ومن هنا يلجأ بعض المتهمين الهاربين إلي اكتساب جنسية أخري لحماية أنفسهم، حيث إن اتفاقيات تسليم المجرمين يتم تنفيذها بين الدول التي وقعت عليها إلا في الدولة التي يحمل المتهم جنسيتها، وفي كل الحالات يتطلب الأمر ضرورة وجود اتهام واضح وصريح وأوراق تؤكد هذا الاتهام ومطالبة النائب العام بالتسليم، مع ضرورة وجود إجراءات قضائية وقانونية للتحقيق مع المتهم. الدكتور سعيد جويلي: لا يمكن إرغام أي دولة علي إعادة المطلوبين في الجرائم الجنائية! أما الدكتور سعيد جويلي أستاذ القانون الدولي بجامعة الزقازيق فيري أن عودة هؤلاء الهاربين يستلزم أن يكونوا في دول بينها وبين مصر اتفاقيات لتسليم المجرمين، فإذا لم توجد مثل هذه الاتفاقية لا يمكن إرغام أي دولة أو مطالبتها بإعادة متهم موجود لديها، خاصة في الجرائم الجنائية، وإنما الأمر يخضع لرغبة الدولة نفسها، أما في الجرائم السياسية فلا يجوز تسليم أي متهم. أما بالنسبة لاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد فهي تنص علي بعض الأحكام الخاصة بتسليم المجرمين المنسوب إليهم قضايا فساد بشرط أن يكون هناك محاكمات جنائية عادلة طبقاً للقضاء العادي وليس القضاء الاستثنائي، ومن ثم فبالنسبة للمصريين الهاربين يمكن المطالبة بتسليمهم متي كان لمصر اتفاقيات دولية مع الدول الموجود فيها هؤلاء الأشخاص، فإذا لم توجد مثل هذه الاتفاقيات لا يمكن التسليم. ولكن هل تساهم اتفاقية الأممالمتحدة في إعادة هؤلاء الهاربين؟ يجيب الدكتور جويلي قائلاً: اتفاقية الأممالمتحدة بها مشكلة كبيرة وهي عدم تحديد معالم قضايا الفساد في معظم التشريعات الوطنية، وبالتالي فالجريمة غير محددة، وهو ما يعوق الاتفاقية عن التنفيذ علي أرض الواقع. الدكتور نبيل أحمد حلمي: التحقيقات العادلة وصدور أحكام نهائية أهم شروط إعادة المطلوبين والسؤال الآن الذي يطرح نفسه: هل تنجح هذه الاتفاقيات الدولية التي وقعتها مصر مع 24 دولة أجنبية و13 دولة عربية في إعادة هؤلاء المتهمين الهاربين؟ وماذا عن المتهمين الهاربين في دول لا تجمعنا بها اتفاقيات لتسليم المجرمين؟ يجيب عن هذه التساؤلات الدكتور نبيل أحمد حلمي أستاذ القانون الدولي بجامعة الزقازيق قائلاً: إن المجتمع الدولي حريص علي أن يتم معاقبة أي شخص يرتكب أي جريمة من الجرائم إذا ثبتت إدانته، لذلك فإن معظم الدول تدخل في معاهدات تبادلية فيما بينها لتسليم المجرمين، ولكن هذا يتطلب صدور حكم نهائي بات بالإدانة، لا يقبل الطعن عليه مرة أخري، وفي هذه الحالة تطلب الدولة من الدولة الأخري التي يوجد بها المتهم تسليمه، وعليها أن ترسل أيضاً ملف القضية ومنطوق الحكم الصادر ضده، والسبب في هذه الإجراءات هو أن هناك بعض الجرائم التي لا يجوز فيها تسليم المتهمين مثل الجرائم السياسية، وجرائم الرأي والدين وبعض الجرائم العسكرية، كما أنه لايجوز عقاب مجرم ارتكب جريمة في دولة ما غير معاقب عليها في الدولة المطلوب منها تسليمه، وهنا أيضاً لا يجوز تسليم المجرمين لذلك تشترط الدول معرفة الجريمة التي يعاقب عليها المتهم، وإرسال ملف بالقضية وبعضها يشترط صدور حكم نهائي. وأضاف أن القانون الدولي يوجد به مبدأ مهم وهو عدم تسليم الرعايا الذين يحملون جنسية الدولة المطلوب التسليم منها، وهذا لا يعني الهروب من المحاكمة، ولكن كل دولة أولي بمحاكمة رعاياها، لذلك ففي حالة حسين سالم علي مصر إرسال ملف كامل لإسبانيا يتضمن الجرائم المتهم فيها وأدلة الإثبات لمحاكمته في إسبانيا علي هذه الجرائم، وإذا ثبت أنه اكتسب الجنسية الإسبانية بطريقة تخالف قواعد اكتساب الجنسية هناك يمكن في هذه الحالة إسقاط الجنسية عنه وفي هذه الحالة يمكن تسليمه لمصر. وأشار إلي أنه يجب دراسة كل حالة من حالات المتهمين الهاربين تمهيداً للمطالبة بتسليمهم من الدول المتواجدين فيها.