هناك لغة جديدة تبدو في الأفق بشأن ما جرى في 25 يناير 2011 تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا مما يمكن أن يجرى لنا في المستقبل، ونتساءل عما وراء الأكمة!! كنا حتى فترة قريبة نعتبر ما حدث آنذاك ثورة مباركة قام بها شعب بعد أن طال به ظلم نظام جثم على أنفاسه 30 عاماً، ولكن يبدو أننا لم ندرك الأمور على النحو الصحيح.. حسب هذه اللغة التي ارتفعت وتيرتها في الإعلام خلال الشهرين الأخيرين. ونحن نقترب – لا نقول نحتفل، باعتبار أن الاحتفال قد يتحول ليصبح من المحرمات – من ذكرى هذه «الأحداث» من الواضح أن عقولا كثيرة قد «فاقت» وبدأت تنتبه لحقيقة ما حدث.. البعض وصفها مؤامرة – الكاتب الصحفي محمد عبدالمنعم في «الأهرام العربي» حيث أشار إلى أنها بدأت بمؤامرة أمريكية على مصر. وهو ذات التفسير الذي ذهبت إليه أستاذة علوم سياسية بجامعة القاهرة رأت أن ما حدث كان ضريبة عدم رضوخ الرئيس الأسبق مبارك للولايات المتحدة ورفضه القبول بوجود قواعد أمريكية في مصر. كاتب ثان هو أستاذنا الدكتور عمرو عبدالسميع اعتبر ما جرى في 25 يناير.. ليس سوى مظاهرات.. ولو أنك أمعنت النظر في التوصيف ستلاحظ أن هناك فرقاً كبيراً بين مظاهرات وبين ثورة. ولو أننا شبهنا الأمر بالمستويات التعليمية مثلاً لأمكننا القول إن المظاهرات تمثل مرحلة «كي جي وان» وأن الثورة تمثل مرحلة الدكتوراه .. بما يعني هبوطاً بما حدث في تلك الفترة إلى الدرك الأسفل من المستوى! ولو أننا وسعنا من نطاق تشبيهنا وأعملنا خيالنا بعض الشىء لقلنا أن المظاهرات التي تماثل مرحلة «الكي جي» لابد أن يكون من قام بها أطفال.. أو على الأقل من ليس لهم سوى عقل الأطفال! ومعلوم أن الأطفال رغم أنهم قد يكونون أبرياء وأحباب الله إلا أن سلوكهم في النهاية يبقى سلوكاً صبيانياً لا يعبر عن حكمة أو وعى.. «لعب عيال» بالمعنى الدارج! كاتب ثالث هو الزميل محمود الكردوسي تفرد في اختلافه فراح يصف ما حدث بأنه «نكسة» على غرار 1967.. لم تعكس في النهاية «سوى شهوة الانتقام من نظام حكم فاسد وظالم وقمعى» على شاكلة فيلم «دائرة الانتقام» لنور الشريف!. وعلى هذا الأساس ولو أننا بالفعل نظرنا لما حدث على هذا النحو فإن تعاملنا يجب أن يختلف عن السذاجة التي مارسناها في 1967 حين رحنا نطالب الزعيم بألا يتنحى.. فمنطق الرشادة والتطور الإنساني يقتضي محاسبة المسئولين عن النكسة التي قادونا إليها، الذين ادعوا أنهم ثوار.. والحمد لله فإن البعض منهم قابع الآن - حسبما يشير الكردوسي - «فى عتمة السجن بتهم تتراوح بين البلطجة والعمالة». وبهذا المنطق قد يتطلب الأمر البحث عن أعوانهم والعمل على تحديد وجوه الملايين الذين خرجوا في «ميادين التحرير» في جميع محافظات الجمهورية ليلحقوا برفقاء الثورة المزعومة. كاتب رابع هو الدكتور إبراهيم القرضاوي أتى على كل من سبقوه بالضربة القاضية كما يقال فراح يدعو بكل وضوح ودون لف أو دوران إلى الاعتراف بأن «أحداث 25 يناير لم تكن ولن تكون ثورة فالثورة الحقيقية كانت في 30 يونية وهي ليست امتداداً ل 25 يناير ولا تربطها بها صلة بأي حال من الأحوال». أعترف أمامك عزيزي القارئ – وأرجو ألا تسىء الظن بي وتتصور أنني «إمعة» إن أحسن الناس أحسنت وإن أسأوا أسأت – فأقول إنني بدأت تساورني بعض الشكوك.. وتصور أن الأمر قد لا يتجاوز ما ذهبت إليه هذه الآراء خاصة أنه في غمار الثورة – يناير - وفي الأيام الأولى منها بالتحديد وكنت مشرفاً على قسم الترجمة ببوابة الوفد الإلكترونية ترجمنا موضوعاً لتحليل يشير إلى مثل هذا التوجه وبشكل خاص الجزئية المتعلقة بموقف أمريكا من مبارك بسبب القواعد العسكرية. قلت لنفسي: ليس من المعقول أن كل هؤلاء على خطأ أو أن رؤاهم لذات غرض في نفس يعقوب.. وجدت نفسي وأنا جالس منفرداً على مكتبي أتأمل هذه الآراء أقول: ما المانع من المراجعة وامتلاك شجاعة كتلك التي امتلكها كاتب مثل الكرودسي وأن أقول إنني كنت «مخدوعاً ككثيرين غيرى». قلت لنفسي ألم يتحول الربيع العربي إلى شتاء عربي مما يثير الشكوك حول حقيقة ما حدث وأنه بالفعل لم يكن ثورة؟ غير أنني – وللحقيقة أيضا وليس لشىء آخر غيرها – ومع مطالعة أخبار عن حسين سالم وعرضه تقديم نصف ثروته ومساعدة مصر وتزايد الحديث عن إنصافه.. واتجاه الحكومة لبحث مبادرته للم الشمل – تخيل مبادرة لحسين سالم - واعتبارها عرضاً طيباً، مع الحديث عن التفكير في إعادة اسم مبارك لمحطة مترو الشهداء برمسيس، مع الحديث الذي تم نفيه لاحقاً عن استضافة قناة فضائية لسوزان مبارك وأنباء إنشائها حزباً سياسياً.. ومع ومع.. وجدت عقلي يرفض هذه التخريجات في وصف ما جرى.. رحت أتساءل: معقول كل هؤلاء الضحايا بالآلاف من شهداء ومصابي الثورة – آسف النكسة - كانوا يلهثون وراء سراب؟.. قلت لنفسي إذا لم تكن ثورة وكانت نكسة فهذا يعني أن نظام مبارك كان جميلاً و«كويس» و«زي الفل» ومعنى ذلك أننا ظلمنا الرجل.. فليس للنكسة أي توصيف آخر سوى إنها انتكاسة من نكس ينكس منكوساً.. يعني عودة إلى الخلف! رحت أسأل نفسي: هل نحن نتعرض لعملية غسيل أدمغة مقصودة ومستهدفة؟.. أم نتعرض لعملية تزييف وعي ممنهجة؟.. لا فرق! ولمصلحة من؟.. ذلك هو السؤال الذي قد أعرف أنا وأنت إجابته ولكن يجب أن تبقى في دائرة الصمت حتى حين!