أخطر ملفات الفساد فى عهد مبارك كانت فى بيع الأراضى. وخصخصة ممتلكات وأصول الدولة.. واتفاقيات الغاز والبترول.. وتلك جميعها مازالت مغلقة ولم تبح بأسرارها انتظاراً لتولى رئاسة وطنية تملك إرادة سياسية نزيهة. ولحين يأذن الله لبلدنا بمن يفتح الملفات.. ويسترد أموالها المنهوبة ليس مقبولاً ولا مسموحاً لأى من المسئولين الحاليين باستكمال مسيرة الفساد السابقة، وبالذات فيما يتعلق بالملف الأول الخاص ببيع أراضى الدولة وما جرى فيه من إهدارها بالأفدنة والكيلومترات لشركات مصرية مملوكة لرجال أعمال من الموالين والمحسوبين على النظام ومعهم شركات أخرى عربية نافذة على ملاك القرار.. وذلك بنظام التمليك وبأبخس الأسعار.. مع تجاهل نظام حق الانتفاع المعمول به فى كل دول العالم الغنية والفقيرة، حفاظاً على بقاء الأرض ملكاً لكل الأجيال المقبلة! أكتب عن هذا الملف المهم لأن هيئة المجتمعات العمرانية تدرس حالياً إجراء حزمة تعديلات على أساليب تخصيص أراضى المدن الجديدة.. وذلك من خلال تعديل اللائحة العقارية القديمة بحجة تنشيط الاستثمارات العقارية خلال المرحلة الانتقالية. هذا التوجه ظاهره نبيل وهدفه تحقيق الصالح العام.. ولكن باطنه هو الأخطر.. ويحمل رائحة فساد جديدة فى الطريق! وفقاً لما صرحت به مصادر مسئولة بالهيئة أن أحد المقترحات المهمة التى تتم دراستها، منح ما يعرف قانوناً بحق الشفعة للمستثمرين فقط، ومن خلاله يحصل المستثمر على أى قطعة أرض إذا كانت مجاورة لمشروعه دون الدخول فى مزادات أو مزايدات علنية جديدة.. ولكن طبقاً لآخر سعر تم به البيع فى المدينة بالمزاد أو المزايدات! وتبريراً لهذا التوجه الغريب صرح نائب رئيس الهيئة للشئون العقارية بأن وزير الإسكان هدفه من تعديل اللائحة القديمة واستحداث أنظمة جديدة للبيع، هو الوصول إلى تطبيق سياسة أن قيمة الأرض ليست مادية أو بسعرها، وإنما بقيمة المشروع الذى سيقام عليها، وذلك لتنمية المدن الجديدة. التصريحات معناها أن هيئة المجتمعات العمرانية تعدل اللائحة العقارية، لتضع قواعد ونصوصاً جديدة تسمح لها ببيع ما تبقى من أراض فى المدن الجديدة بأقل من أسعار السوق الحالية وبعيداً عن المزادات والمزايدات التى يتبارى ويتزايد فيها الجميع على قدم المساواة، وتأتى بأعلى سعر لصالح خزانة الدولة. الهيئة تسعى لتطبيق قانون الشفعة المعمول به فى بيع وشراء أراضى وعقارات القطاع الخاص، حيث يكون من حق الجار أن يشترى العقار أو الأرض الملاصقة له إذا تم بيعها لآخرين، وتتجاهل أن ذلك يتم وفقاً لثمن البيع مهما كان حجمه! الهيئة الموقرة تريد الاسترشاد بآخر أسعار تم بها البيع فى المدن ذاتها بالمزاد أو المزايدة.. وطبعاً آخر أسعار للمزادات جرت منذ أربع سنوات.. والآن تضاعفت القيمة والأسعار عدة مرات.. وهو ما يعنى أن المستثمر سوف يشترى الأرض بسعر الأمس، وليس بسعر اليوم، لأن الهيئة أو وزيرها يريان أن قيمة الأرض بالمشروع المقام عليها وليس بسعرها الحقيقي! بيع ما تبقى من أراضى مصر تمليكاً أو بحق الشفعة خط أحمر مهما كانت قيمة المشروعات المقامة عليها، خاصة العقارية، لأن المستثمرين فيها يعلمون حجم الأرباح التى يحصلون عليها من وراء الاستثمار فى مصر! نظرة واحدة على مشروعات الشركات العقارية المصرية والعربية فى المدن الجديدة نرى أنهم كسبوا المليارات من وراء تخصيص أراضى الدولة لهم بالملاليم ثم بيعها لنا بالملايين. وللأسف أغلب أصحاب الشركات العقارية مازال فى ذمتهم مستحقات مالية ضخمة وبالملايين كباقى أقساط، ومقابل تعويضات عن مخالفات لقوانين التخصيص والبناء وعدم استغلال الأراضى وتسقيعها، وكلها موارد لم تستردها هيئة المجتمعات العمرانية حتى الآن! بوضوح أغمضوا عيونهم عن مستحقات الخزانة العامة، ويبحثون عن ثغرات ومنافذ لمنح حوافز جديدة وإهدار ما تبقى من أراضى الدولة تحت شعار تنمية المدن الجديدة ودفع عجلة الاستثمار. فهل أصبح الفساد بالوراثة فى أنظمة حكم مصر؟!