أعرف أن حكومة الدكتور حازم الببلاوي تواجه مشكلات عاتية وعاصفة ربما أخطرها الوضع الأمني المضطرب الذي يترتب عليه عادة فائض في القلاقل وفقر في الموارد, ولكن الذي لايمكن تجاهله أنها حكومة لا تعزف لحنا واحدا، وكثير من وزرائها موظفون لا يدرك الواحد منهم أن الوزير منصب سياسي بالدرجة الاولي والوزير الذي لا يملك افقا سياسيا حتى لو كان عالما فذا في مجال تخصصه لا يصلح أبدا أن يكون وزيرا.. الحالة المتأزمة التي تمر بها مصر في مواجهة عنف وحماقة تنظيم الإخوان كانت تتطلب من حكومة الدكتور الببلاوي التواصل المستمر مع الناس من خلال خطاب يومي ليعرف المصريون حقيقة ما يحدث على الأرض وحقيقة ما يدبر لهم في الخفاء على يد الإخوان والمتآمرين معهم من قوى بالداخل والخارج.. والمؤسف أن وزير الداخلية الذي يتحمل هو ورجاله من ضباط وجنود عبء المواجهة الميدانية مع عصابات الإخوان هو أيضا المتحمل بنسبة كبيرة مسئولية شرح الأوضاع على الأرض للناس، وهذا الأمر قد يحسب للوزير اللواء محمد ابراهيم ولكنه يحسب على الحكومة العاجزة عن الحركة الإيجابية تجاه المجتمع.. أين وزراء الإعلام والثقافة والعدالة الانتقالية والعدل والخارجية؟ لماذا لا يسمع الناس كل هؤلاء وغيرهم وبشكل يومي ليطمئن المجتمع المصري أن له حكومة يهمها كل يوم أن تقول له ماذا يحدث وإلى أين نسير ونتجه – أما أن يختبئ الوزراء خلف مكاتبهم ويشكروا الله «إن انهاردة عدى على خير» فهذه مصيبة.. سفيرة أمريكا السابقة آن باترسون كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها بكلمة أو تصريح.. وليم بيرينز مساعد وزير الخارجية الأمريكي تتعدد زياراته لمصر وللمنطقة ويلتقيه الرؤساء والملوك.. والمرحوم الدكتور أسامة الباز الذي كان يعمل مديرا لمكتب الرئيس للشئون السياسية كان نموذجا للدبلوماسي الفذ الذي كان زعماء كثيرون يحرصون على لقائه أثناء زيارته لبلدانهم.. هناك تكوين سياسي ودبلوماسي غائب عن حكومة الدكتور الببلاوي وعن حكومات كثيرة سابقة قبل وبعد 25 يناير 2011 بالشكل الذي جعل الوزير مجرد موظف لا حول له ولا قوة ينتظر التوجيهات لينفذها فقط دون أي رؤية سياسية مستقلة وكل ما يشغل وزراء آخر الزمان ألا يفقد الوزير منصبه ولذلك يسخر الوزير نفسه لطاعة من فوقه وتحته حتى لا يذهب مع الريح ولم يستقل يوما وزير لأنه متمسك بموقف سياسي يختلف عن موقف حكومته.. حتى اللغة العربية التي عنوان ودليل البلاغة والقدرة على التعبير نجد معظم وزرائنا لا يجيدونها ويرفعون المنصوب ويكسرون المرفوع ويجرون الفاعل إلى حضيض بلاهتهم اللغوية، وقد يقول البعض «متحبكهاش» مش مهم اللغة المهم شطارة الوزير.. صحيح المهم الشطارة لكن من أسباب ومؤشرات الشطارة أن أجيد لغة بلدى وأن أتحدث بلغة رصينة حيث لا يدرك دلالات الكلام إلا من يمتلك ناصية لغته وقد عرفنا سياسيين أفذاذا كانوا خطباء بمعنى الكلمة وهنا أهمية إقناع الناس وحشدهم خلف فكرة أو رأي أو توجه ما، وهذا لا يتأتي إلا باللغة الواضحة البليغة.. أما التهتهة ولي ذراع اللغة فإنها تباعد بين المتحدث وجمهوره.. لقد كان مانديلا بليغا في لغته ببساطة المعاني التي كان يطرحها على الناس.. أوباما رغم إخفاق معظم سياساته فإنه لا يزال قادرا على التواصل مع الشعب الأمريكي بقدرته على الإقناع.. وقد كان المعزول محمد مرسي يجيد استخدام اللغة، ومع ذلك لم يصدقه الناس لأنه لم يكن يملك إلا الكلام ومكتب الإرشاد وسماجة الحاكم..