لماذا وصل "منصور" مبكرا 48 ساعة ؟ وهل التقى "تميم" و"ماريام" منفردا؟ هنا قمة الكويت العربية الافريقية .. نجم يسطع في سماء العمل الاقليمي .. وحدث جلل يلوح في أفق "قصر بيان".. حيث يلتقي قادة نحو 71 دولة ومنظمة عربية واقليمية وافريقية .. في ضيافة دولة الكويت .. تحت شعر "شركاء في التنمية والاستثمار" لمدة يومين هما "العمر الرسمي" للقمة .. والذي يضاف إليه يومان آخران سبقا الجلسات الرسمية .. وربما تكون أحداثهما أكثر أهمية وسخونة مما يدور في قاعات الاجتماعات البروتوكولية المغلقة وما تحتويه جداول الأعمال وبيانات التوصيات ومشروعات القرارات. وليس أدل على أهمية ما دار على هوامش هذه القمة من أعمال، من وصول الرئيس المصري المستشار عدلي منصور الى أرض الكويت قبل 48 ساعة كاملة من انطلاق القمة الرسمية .. وهو ما لم نعهده من رئيس مصري من قبل .. بما يرجح أن يكون هناك جدول أعمال غير معلن للرئيس ربما يتضمن لقاءات ثنائية على هامش القمة .. بترتيبات من القيادة الكويتية التي تربطها علاقات وطيدة - طبيعية - بدولتي قطرواثيوبيا. فأما النجم الذي نراه يسطع اقليميا .. فهو دولة الكويت نفسها .. الدولة المضيفة لقمة دولية بهذا الحجم .. وفي هذا التوقيت وهذا النطاق الاقليمي اللذين يشهدان تحولات سياسية و"جيوبوليتيكية" هامة وتاريخية ومفصلية .. بينما تطرح الكويت مبادرتها لاستضافة هذه القمة انطلاقا من دبلوماسية "الربط والتجميع" التي تنتهجها الدولة لدعم العمل العربي - الافريقي .. باعتباره عمقا استراتيجيا .. من خلال شراكات تنموية واستثمارية تحترم الدول ومكوناتها ومقوماتها التاريخية .. وصولا الى الهدف الأسمى .. وهو تعزيز الأمن العربي والدولي .. مع تأكيد أن دولة الكويت تتحرك على هذا النحو من منطلق انها "تريد أن تضيف لا أن تأخذ .. ولا تريد أن تمرر أجندات أو مصالح معينة .. وإنما المهم هو استثمار هذا الحدث في تحقيق التواصل والتقارب العربي الافريقي" .. وهذا هو ما أكده وزير الاعلام وزير الدولة لشئون الشباب الشيخ سلمان صباح الحمود الصباح في لقائه الخاص والمغلق مع الوفد الصحفي والاعلامي المصري الذي تستضيفه وزارة الاعلام الكويتية. وأما الحدث الجلل .. فليس خافيا أن مصر هي "القاسم المشترك الأعظم" فيه .. باعتبارها الطرف المهم في اثنين من اكثر الملفات السياسية سخونة داخل هذه القمة التاريخية .. وهما ملف العلاقات المصرية -القطرية المتوترة .. وملف العلاقات المصرية - الاثيوبية المتأزمة .. وليس من قبيل المصادفة أن تجمع هذه القمة قادة الدول الثلاثة المستشار عدلي منصور .. والشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر .. ورئيس وزراء جمهورية اثيوبيا الفيدرالية هيلي ماريام دسالين .. والذين تواجدوا على أرض الكويت قبل ساعات طويلة من بدء أعمال القمة .. وتجاوروا على مقاعد القاعة الرئيسية التي شهدت الافتتاح الرسمي للقمة .. بينما كانت تبدأ أعمالها بتلاوة الآية القرآنية: "إنما المؤمنين أخوة فأصلحوا بين أخويكم" . لقد اختارت قمة الكويت عنوانا اقتصاديا لأعمالها .. ليس تجاهلا للأبعاد السياسية المعقدة في علاقات بعض الدول المشاركة .. ولكن انطلاقا من مبدأ أن "التواصل الاقتصادي هو مفتاح التقارب السياسي" وأن الشراكة في التنمية والاستثمار هي مصدر الدفء الذي يمكن أن يذيب جبال الجليد المتراكم في علاقات بعض دول "الاقليم العربي الافريقي" الذي نريد له الانطلاق والقوة والاستمرار منذ انعقاد القمة العربية الافريقية الأولى في القاهرة عام 1977. وتأكيدا لذلك .. لم يخل "اعلان الكويت" الذي يصدر اليوم في ختام أعمال القمة من الخطاب السياسي "التوفيقي" أو "التصالحي" .. متمثلا فيما أشار اليه الاعلان من تصميم القادة العرب والأفارقة على "معالجة الأسباب الرئيسية للنزاعات وأعمال العنف في المنطقتين العربية والافريقية ، في اطار ايجاد بنية داعمة لتحقيق الازدهار والرفاه لشعوب المنطقتين .. وكذلك اتفاق المشاركين في القمة على دعوة الحكومات والجهات الأخرى ذات الصلة لايجاد تسوية سلمية للأزمات السياسية في المنطقتين . وقبيل وصول قادة الدول الثلاث - مصر واثيوبياوقطر - الى الكويت للمشاركة في القمة .. كانت هناك مؤشرات هامة للرغبة في تحريك المياه الراكدة داخل ملفات علاقاتها الثنائية .. من خلال حوار عاقل وموضوعي وحلول ذكية ومبتكرة تحقق مصالح جميع الأطراف في إطار من الاحترام المتبادل والحفاظ على الحقوق التاريخية للشعوب وعدم التدخل في شئون الغير . في القاهرة .. برزت أصوات داعية الى وقف تصعيد الخطاب السياسي التصادمي مع قطر .. خاصة بعد أن أبدت الدوحة نفسها استعدادها للعمل مع مصر من أجل إعادة من جسور الثقة بين البلدين .. كما برزت في ملف العلاقات المصرية الاثيوبية دعوات لرؤية مغايرة في التعامل مع ملف أزمة سد النهضة .. من خلال طرح شراكة مصرية - اثيوبية في بناء السد الذي يعاني من مشاكل فنية وتمويلية تستطيع القاهرة أن تقدم حلولا لها .. مقابل المشاركة في العوائد الانتاجية للمشروع .. خاصة مع اتجاه أديس أبابا الى البحث عن شريك ممول للمشروع - غربي أو عربي - وامكانية أن تكون الدوحة نفسها هي أحد حلول هذا المشروع .. قطعا للطريق أمام دول أخرى معادية للمصالح المصرية والعربية. بوضوح .. يرى مراقبون ومشاركون في أعمال قمة الكويت أن الحالة المصري - الاثيوبية - القطرية هي النموذج الذي يجسد امكانية نجاح الآمال والطموحات التي تتطلع القمة الى تحقيقها بطرحها السياسي القائم على فكرة تعزيز الأمن الاقليمي .. من خلال مشروعات الشراكة التنموية والاستثمارية .. وهو ما برز أيضا في توصيات "اعلان الكويت" حول تعزيز التعاون وزيادة الاستثمار في مجال الطاقة .. بما في ذلك التطوير المشترك لموارد الطاقة المتجددة والجديدة .. وكذلك انشاء آلية تمويل عربية افريقية مشتركة لتمويل البرامج والمشروعات .. والطلب من لجنة التنسيق العربية الافريقية بالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الافريقي ومؤسسات التمويل العربية والافريقية لتحديد مصادر التمويل ونماذج المساهمات وطريقة ادارة العمليات الخاصة بآلية التمويل . إن ما يلوح الآن في أفق الكويت هو أن تتمخض القمة العربية الافريقية عن انجاز شراكة ثلاثية .. مصرية اثيوبية قطرية .. ممثلة في مشروع سد النهضة .. بما يقدم نموذجا لتجميع المصالح السياسية حول هدف تنموي استثماري يجسد فلسفة التحرك الدبلوماسي الكويتي ويؤكد نجاح دولة الكويت في احتلال مكانتها الاقليمية اللائقة .. فانتظروا لحظة المخاض لاستقبال هذا المولود الجديد.