أنا من عشاق جمع النقود الورقية، التاريخية.. ربما بحكم أنني زرت العديد من الدول في كل قارات العالم.. وفي عام 1985 كتبت مقالاً في الوفد عن النقود الانجليزية وكيف أنها تروي تاريخ انجلترا ليس السياسي فقط بل والأدبي والحربي والطبي، اذ علي الخمسة جنيهات صورة دوق ويلنجتون علي وجه.. وعلي الوجه الثاني معاركه مع بونابرت، وعلي العشرة جنيهات صورة فلورنس نايشينجيل وهي أشهر ممرضة انجليزية وعلي الوجه الآخر صور الجرحي.. ثم قرص الشمس كأن أعمالها تشرق بالشفاء، وعلي العشرين جنيها صورة أعظم أدباء انجلترا: وليم شيكسبير وتحت ذراعه مجموعة من درامياته والشخصيات العظيمة التي قدمها مثل عطيل وروميو واقفا يناجي حبيبته جولييت، وعلي الخمسين جنيهاً صورة كريستوفر ورين خبير تخطيط المدن والمساكن والحدائق.. وأيضاً صورة البرلمان والكاتدرائية وهكذا.. دونت انجلترا وخلدت مجموعة من أعظم ما انجبت.. وفي شهر يونية الماضي أصدر البنك الأهلي المصري العدد 11 من السنة الأولي من مجلته شديدة الروعة «أهل مصر» بمناسبة مرور 115 عاماً من العطاء والخدمة المصرفية.. مع أهل مصر.. وجاء الغلاف لوحة رائعة التصميم والتصوير اذ جاء رقم 115 مكتوباً بالعملة المعدنية ذات الجنيه الواحد.. في شكل بديع.. وكنت كلما هممت بالكتابة عن هذا العدد الرائع، أبعدتني الأحداث التي تمر بها البلاد.. فاحتفظت بالعدد.. لعلني أكتب عنه يوماً، خصوصاً وبه فصل رائع يروي تاريخ النقود المصرية الورقية الحديثة التي كان البنك الأهلي مسئولاً عن إصدارها وهذا في رأيي أول وأفضل سجل للنقود الورقية المصرية.. بالكلمة والصورة.. وهو عدد يشكر علي اصداره رئيس مجلس الادارة الاستاذ هشام عكاشة.. ورئيس التحرير صفاء لويس وطاقم طيب وطويل من الذين اشرفوا علي اصدار هذه المجلة التي اراها من أفضل المجلات المتخصصة في تاريخ الصحافة المصرية.. ويروي هذا العدد التذكاري رحلة طويلة منذ أصدر البنك الأهلي المصري الجنيه الورقي الأول يوم 5 يناير 1899، أي بعد عام وعدة شهور من القرار الذي أصدره الخديو عباس حلمي الثاني يوم 25 يونية 1898 بإنشاء البنك الأهلي المصري برأسمال مليون جنيه استرليني مع منحه امتياز إصدار العملات الورقية لمدة 50 عاماً ليصبح بذلك بنك الحكومة المصرية.. وكان هذا يعني أيضاً ميلاد الجنيه المصري يوم 5 يناير 1899.. ثم صدر مرسوم خاص في 2 أغسطس 1914 بجعل بنكنوت البنك الأهلي المصري.. العملة الرسمية لمصر.. وتستمر حكاية البنك الأهلي مع أوراق النقد المصرية، وينشر هذا العدد التذكاري صور كل هذه النقود الورقية يتصدرها صورة الجنيه الأول يحمل اسم البنك وتلك العبارة الشهيرة «أتعهد بأن أدفع لدي الطلب مبلغ جنيه واحد مصري لحامله» وتحرر هذا السند بمقتضي الدكريتو المؤرخ في 25 يونية 1898.. ويحمل توقيع سير فريدريك ليث روث محافظ البنك.. ويحمل صورة جملين ويغلب عليه اللونان الوردي والأسود.. كما ينشر العدد صور النقد المصري فئة خمسة جنيهات عام 1912 وفئة العشرة جنيهات عام 1919.. ثم الخمسين جنيها والمائة جنيه.. وحملت صورة الجنيهات الخمسة اهرام الجيزة مع عدد من النخيل.. والعشرة جنيهات صورة أحد المساجد الشهيرة، أما الخمسون جنيهاً فحملت صورة معبد فرعوني والمائة جنيه صورة مسجد تاريخي وصورة أحد ملوك الفراعنة.. ولكن هناك حكاية عم ادريس.. ويروي أنه الذي أبلغ الامير احمد فؤاد بأنه سيصبح سلطانا لمصر بعد أن حلم بذلك.. ووعده الأمير بأن يضع صورته علي الجنيه المصري اذا تحقق هذا الحلم!! وقد كان وجاءت صورة عم ادريس علي الجنيه الذي صدر أول يوليو 1926 داخل دائرة.. أما الوجه الآخر فقد حمل صورة جامع المنصور في بين القصرين.. وهكذا حملت النقود المصرية صوراً لآثار مصر الفرعونية والاسلامية ولكن من أروعها الورقة ذات الخمسين جنيهاً اذ كانت العلامة المائية عليها لأبي الهول.. ووجه الملك توت عنخ آمون ومعبد الرامسيوم بالأقصر.. وكذلك ورقة الخمسين قرشاً التي صدرت عام 1935 التي حملت صورة الملك خفرع وكان الجعران الفرعوني هو العلامة المائية لها.. أما الورقة فئة العشرة جنيهات اصدار 1913 فجاء عليها وجه القاهرة القديمة ومسجد السلطان قايتباي وضريحه بمقابر المماليك بالقرافة الشرقية.. وكان السلطان مغرماً بالعمارة الإسلامية.. وربما يكون جنيه الملك فاروق الصادر في يوليو 1950 هو الوحيد الذي حمل صورة احد حكام مصر من أسرة محمد علي.. هو عملة الخمسة جنيهات ولكن معه صورة مسجد جده الاكبر محمد علي بالقلعة.. والعدد التذكاري هذا يسجل بجانب هذه القصور - تاريخ البنك نفسه منذ هدمه وبناه المهندس اليوناني فابريسيوس 1900 وكذلك كل رؤساء ومحافظي البنك حتي الآن وهو بذلك صفحات ممتازة لتاريخ طويل للبنك وأيضاً للنقود.. فشكراً لمن فكر في اصداره ولمن أعده وأشرف عليه.. وفي المقدمة المصرفي الكبير هشام عكاشة الذي كان عمه الدكتور ثروت عكاشة أحد محافظيه ورئيساً له بين عامي 1962 و1966 واقتني البنك تحت رئاسته العديد من اللوحات والاعمال الفنية لكبار الفنانين المصريين والاجانب.. وأنا نفسي احتفظ بهذا العدد في صدر مكتبتي.. التي تتجمل به!