كلمة قصور وهي جمع لكلمة قصر وتعني بها فخامة المكان والمبني من حيث الاتساع وجودة التهوية والحدائق التي تحيطه من كل جانب، لذلك اختير الاسم في عهد الزعيم عبدالناصر لكي يقترن بالثقافة لتصبح قصور الثقافة هي المكان ذو النوافذ الكثيرة علي كل أرجاء مصر، فيه كان يجتمع كل الأدباء والشعراء والمطربين والملحنين كافة والمبدعين، ومن هذه الأماكن خرج الإبداع الحقيقي، ولولاها ما انتشر الشعر والمسرح والغناء، وما استطعنا الحفاظ علي هويتنا وموروثنا الشعبي في كل المجالات، قصر الثقافة في أي إقليم هو الرئة الوحيدة، وهو القلب الذي ينبض إبداعاً، ولكن مع مرور الزمن حلت محل كلمة قصور كلمة أخري تحمل نفس الحروف وتكتب أيضاً قصور لكن هذه المرة تحمل معني آخر هو ضعف الأداء والوهن وهي الكلمة التي يستخدمها أطباء القلب لوصف حالة القلب عندما تكتسي شرايينه بالدهون ويصعب معه أداء الشريان لمهمته، هنا يطلق الطبيب صيحة تحذير للمريض بضرورة توخي الحذر، والخضوع للعلاج بشكل دقيق قبل أن تنفجر شرايينه، أو تحدث جلطة وتنتهي حياته. نفس التشخيص الذي يعاني منه أغلب مرضي القلب في مصر، تعاني منه قصور الثقافة، أي أن قصور الثقافة تعاني من القصور في الثقافة والإبداع، مع الفارق في أن كل وزراء الثقافة الذين جاءوا خلال ال 30 سنة الماضية، ومعهم قيادات هذه الهيئة تركوا الأمر حتي وصل إلي مرحلة انفجار الشرايين، لم تعد هناك ثقافة أو إبداع في القصور، جميعها تعاني من المشاكل والإهمال، واقتصر الأمر علي نشاط فرق الفنون الشعبية التي مازالت موجودة لأن الشباب من الراقصين والمدربين يحبون هذا الفن، ويحصلون علي حقهم المعنوي من خلال الرحلات الخارجية لأوروبا أو دول أمريكا وآسيا وأفريقيا، بسبب الدعوات الكثيرة التي تأتي إليهم من هذه الدول، لذلك فنانو الفنون الشعبية قرروا أن يواصلوا الإبداع حتي ولو علي نفقتهم الخاصة، خاصة لو علمنا أن ما يتقضاه الراقص أو العازف أو المدرب لا يساوي ثمن المواصلات العامة، حيث يحصل الفرد خلال البروفة علي 5 جنيهات داخل الإقليم، و10 جنيهات في العرض، وبالتالي لا يصل مرتبه في نهاية الشهر، إلي 200 جنيه، لأن الفرقة تقدم عرضاً واحداً خلال الأسبوع وبروفتين، أما فنون مثل المسرح والغناء والسينما والفنون التشكيلية، فتم الاكتفاء بعملها في أضيق الحدود لأن تلك العروض تتطلب ميزانيات، وبالتالي أصاب معظم الفرق «العطب»، وهناك قصور ثقافة لم تعد تعمل من الأصل، وأصبحت مأوي للفئران، والزواحف. الزعيم عبدالناصر عندما أنشأ هيئة قصور الثقافة أنشأ معها مديرية للثقافة في كل محافظة شأنها شأن مديرية الصحة والتعليم لأن وزراء الثقافة في عهده وأبرزهم ثروت عكاشة، كانوا يعون قيمة الثقافة، وأنها خط الدفاع الأول ضد الجهل والتطرف، لأن الشاب سوف يخرج طاقته في عمل مفيد، بدلاً من أن تتلقفه ثقافة التدمير والهمجية، تزامن انتشار الإرهاب في مصر مع تراجع دور الثقافة، وتحديداً هيئة القصور. مئات من الفنانين داخل هذه الهيئة لا يجدون متنفساً للإبداع، حتي الأماكن مثل البيوت، والقصور لم تعد مهيأة لاستقبال أي عرض أو حتي معرض للفنون التشكيلية الذي لا يتطلب سوي قاعات وطرق إضاءة بسيطة، خلال الفترة الماضية الكثير من السياسيين والشخصيات العامة خاضوا معارك من أجل زيادة حصة الصحة والتعليم في الموازنة العامة للدولة وتناسوا الثقافة رغم أنه لا تعليم ولا صحة بدون جسد يتمتع بالثقافة والقدرة علي الابتكار والإبداع. تراجع دور الثقافة الجماهيرية في المحافظات أدي إلي تنامي دور خفافيش الظلام في كل أقاليم مصر، خاصة أن دور هذه الهيئة إلي جانب دورها كحاضنة للمواهب في الماضي طبعاً كانت ترسل قوافل غنائية وفنية إلي كل ربوع مصر في الصعيد، والوجه البحري، كانت تضم مشاهير مطربي مصر مثل علي الحجار ومحمد الحلو ونادية مصطفي وأنوشكا، إلي جانب شباب الفرق الموسيقية، كل هذا أصبح هو والعدم سواء.