حينما تتعاقب الحقب ويعيد التاريخ نفسه بأحداثه وتفاصيله المثيرة..فكأن الزمان قد توقف عن الدوران، ليحمل إلينا الرواية ذاتها ممتزجة بسطورالنجاة،من تلك النهاية المأسوية،التى سطرها آثمون منذ بضعة عقود قصيرة تحت مبرر" القتل بإسم السماء". إنه الزمن الذي أعاد الينا حادثة اغتيال رجل القانون والقاضي المصري "أحمد بك الخازندار"، ليربط بين تفاصيلها وما تشهده المحاكم المصرية في قضايا القرن، ضد قيادات الإخوان وحتى الرئيس المعزول. فلم يكن الخازندار سوى احد رجال العدل، الذي ساقه قدره ليسجل اسمه في تاريخ الاغتيالات المصرية على يد اثنين من التنظيم الخاص للإخوان المسلمين. نظرا لكونه كان ينظر في قضية أدين فيها بعض أعضاء هذا التنظيم تخص تورطهم في تفجير دار سينما مترو..لقد اغتيل وهو يتوجه إلى مقر عمله في المحكمة بالقاهرة، ولما ألقي القبض على الجناة عُثر بحوزتهم على ما يثبت أنهم ينتمون إلى الإخوان. لقد كان لجماعة الإخوان المسلمين خلفية سابقة مع الخازندار.. فقد أدان فى قضايا سابقة بعض شباب الإخوان إثر إعتدائهم على جنود بريطانيين فى الإسكندرية بالأشغال الشاقة المؤبدة فى 22 نوفمبر 1947.. الامر الذي أثار حفيظة الجماعة وقررت الانتقام منه، وفي جلسة جمعت بين حسن البنا واعضاء جماعته، قال البنا" ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله". وهو ما اعتبره أعضاء في التنظيم بمثابة "ضوء أخضر" لاغتيال الخازندار. وعلى أثر الإغتيال استدعى حسن البنا المرشد العام للإخوان للتحقيق معه بشأن الحادث ثم أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة. لقد كان للحادث دوى عميق، تصارعت فيه تيارات فكرية متعددة، في ذاك الوقت.. فبينما تري الجماعة أن عملهم وطنيا ودينيا، كانوا يرون موقف الخازندار موقفًا قضائيًا متعسفًا..ولم يكن الخازندار محبوبًا، أو حتى موصوفًا بالحيدة بين الإخوان، فجاءه حكم الجماعة سابقاً لحكمه..فتوالت بوابل الرصاص عليه ليسقط صريعاً في دمائه. لقد حضر اسم جماعة الإخوان المسلمين بقوة فى تلك الأعمال والاغتيالات، فهم الطرف الأهم في العمل السري والعلني ضد السلطة آنذاك، ولديهم قضايا مع المغتالين، لكن ربما يبقى للظنون حصة فى أمر ماهر والنقراشي، إلا أن أمر أحمد الخازندار، يصعب عده من الظُّنون، إنما يرقى إلى المؤكدات. لقد حفرت تلك القضية في أذهان جميع رجال القضاء المصري وتركت أثراً سلبياً تجاه جماعة الاخوان المسلمين..فما بين عامى 1947 و حتى 2012، مرورا بالعام 2005، تطورت العلاقة بين الجماعة و مؤسسة القضاء، فمن قتل النقراشي والخازندار، ومحاصرة الدستورية إلى محاولات عزل القضاة ،مروراً بمليونيات تطهير القضاء .. أثبتت الجماعة على مدار هذه الاعوام رفضها القاطع للاحتكام إلى القانون، - فبحسب مبادئهم – تمثل القوانين البشرية عدوانا على حاكمية الله عز وجل!..وتجلى ذلك في وصفهم للقضاء ب"الطاغوت". والآن.. ونحن على اعتاب محاكمات القرن لقيادات الجماعة والرئيس المعزول محمد مرسى..يطرح السؤال نفسه "كيف سيكون المشهد القادم في ظل هذا التوتر بين الجماعة والقضاء؟". قد يتسلل القلق لدى القضاة المشرفين من تكرار نفس سيناريو اغتيال الخازندار معهم.. الامر الذي يثير المخاوف والشكوك لدى البعض من احتمالية تلقي هؤلاء القضاة لتهديدات بالقتل من جانب جماعة المحظورة، وذلك للحول بينهم وبين الحكم في قضايا مواليهم .. وقد بدا تنحى المستشار محمد أمين فهمى القرموطي عن نظر محاكمة كل من الدكتور محمد بديع،والمهندس محمد خيرت الشاطر، ومحمد رشاد بيومى ..في قضايا التحريض على قتل المتظاهرين أمام مقر مكتب الإرشاد، بالأمر الغريب لدى الكثير..فإستشعار المحكمة الحرج لا يبتعد كثيراً عن منطقة "تهديدات القتل". لاشك أن قيادات جماعة الإخوان المسلمين الآن يجمعون الحصاد المر لأعوام من اغتيالتهم السياسية ومحاولات اخونة الدولة منذ عهد النقراشي، وقتل المتظاهرين خلال عهد المعزول مرسي..لقد جنت تلك القيادات ما زرعوه طويلاً كان ام قصيراً.. وقد شهد بذلك تاريخهم المشهود بالدماء والتصفيات الجسدية ،فهم لا يتوانون عن تصفية من يعترض على ظلمهم وعنفهم من حزبهم كما فعلوا مع سيد فايز عندما عبر عن غضبه على التنظيم الخاص السري لقتلهم القاضي الخازندار، وبطريقة بشعة وخدعة دنيئة بإرسال طرد انفجر في وجهه عندما فتحها. ومن هنا..وبعد تشابه موقف القاضي المصري احمد الخازندار مع مواقف القضاة المشرفين على محاكمات القرن الثانية..بات علينا ألا نستبعد قيام اعضاء المحظورة او مواليهم بتهديد القضاة او اسرهم، في محاولة لتأجيل تلك المحاكمات اوالضغط عليهم لتبرئتهم مما نسب إليهم من اتهامات ..لقد بات الامر انتقاماً من القضاء ..فصارت محاكمة المعزول بمثابة النفس الاخير للجماعة لإثبات قوتها في مواجهة السلطة القضائية ..وكأن اغتيال الخازندار الرسالة الأخيرة لقضاة مصر.