تغير سلوك المصريين كثيرا في السنوات الاخيرة، قبل ثورة 25 يناير وبعدها، وكثيرون وأنا منهم ربما لا يعرفون السبب المباشر، وراء ذلك، ولكن من المفترض أن الجهات البحثية تعرف لا سيما المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، والمراكز البحثية في علوم الجريمة والاجتماع وعلم النفس، في الجامعات والمعاهد وغيرها. أيها الباحثون أين أنتم مما يحدث الآن، أين أنتم من المؤشرات السلبية التي نتج عنها انتشار العنف في المجتمع بداية من الأسرة، نهاية بالمجتمع. دعك من السياسة وتوابعها من مظاهرات وغيرها مما نشهده في الساحة السياسية، ونعود الي فرح يتحول إلي مأتم بسبب خلاف أو مشادة بسيطة.تتحول إلي مجزرة، يسقط شهداء ومصابون، يتحول الفرحٍ إلي مواجع وآلام، لن تمح من ذاكرة من عاد من هذه المناسبة يتيما أو من عادت أرملة، وهكذا نسمع ونري ونقرأ كثيرا عن مشادة عادية تحولت إلي حرب سقط قيها 16 قتيلا، حدث هذا في خناقة ليس لها علاقة بالسياسة في منطقة شعبية، بالقاهرة ويتكرر المشهد في الصعيد، وباقي المحافظات، لم نسمع عن النيران الصديقة منذ حرب العراق، إلا في مشاجرات الأفراح والمعارك العسكرية، كثر السلاح وكثر مستخدموه بعيداً عن أعين الدولة، كثيراً ما نسمع سقوط شهداء من نيران صديقة في مناسبات عديدة لمجرد أن من يستخدم السلاح لم يعرف كيف يستخدمه ويتعامل معه، ليس القتل فقط صار شبه ظاهرة، بل ما بعد القتل من تنكيل بالجثث والتمثيل بها، ورأيت فيديو لأشخاص يذبحون غيرهم بطريقة أضحية العيد، مشاهد الفيديو صورت في محافظة الفيوم بسبب خلاف بعيد عن السياسة، أقسم أنني لم أر في حياتي قسوة وجبروتاً وانعدام أي مشاعر انسانية مثلما رأيت في هذا الفيديو، الذي يقاد فيه من يذبحون مثلما يحدث مع اضحية العيد تماما حسبنا الله ونعم الوكيل. اتذكر أنني واحد من جيل أشرف علي الخمسين ربيعاً. وحتي الآن عندما اذهب إلي بلدتي في المنصورة أقف كالطفل أمام مدرس الابتدائي احتراماً له، ونطن أننا مهما تقدمنا في العمل والعمر نشعر بأننا صغار أمام من علمونا من قبل. انظر حاليا كيف صار وضع الأخلاق والتربية في مدارسنا. ألفاظ بذيئة لا أدب أو أخلاق ولا احترام بين المدرس والطالب. لم نر من الأجيال التي تربينا علي يديها، سوي القدوة الحسنة، وانكار الذات، وحب الوطن، وحب العمل الجاد، والإيمان الفعلي والعملي بالله، علي عكس ما نراه الآن ، لم نر من الصغار احترام الكبار، لم نشاهد الاسرة متماسكة، والأب لم تعد له الكلمة العليا في بيته. زمان لم نسمع عن حالة طلاق واحدة. والآن صار الطلاق مثل الزواج، وأصبح الطلاق ظاهرة عادية، وسجلت معدلات الطلاق أعلي النسب العالمية، طبعا لا يخلو أي منزل من المشاكل، لابد أن نذكر أن جرعة النكد قد تضاعفت، وأن وجود الزوجة زمان كان بمثابة السكينة والهدوء في بيت الزوجية، ولكن الآن وجودها ربما تحول إلي نكد دائم، ضف إلي ذلك أن خلافات الزوجين الدائمة، نتج عنها تفكك أسري، ونتج عنها ما نراه من أبنائنا من اختفاء القدوة أمامهم، الزوج مهموم بلقمة العيش ربما ليل نهار، في حين أن بعض الزوجات ربما لا يردن تربية أولادهن، وتسعي كل زوجة إلي منافسة الزوج في العمل، والبقاء اكبر فترة ممكنة خارج المنزل، وذلك من باب المساواة، في النهاية نجد اسرة مفككة، وأجيالاً جديدة لا تعرف سوي الإنترنت وثقافة المسلسلات والأغاني، والتي تميل إلي الإسفاف وشطب قيم المجتمع، وهكذا، صرنا إلي ما نحن عليه من تدهور أخلاقي وسلوكي، دون أن نجد من يحلل ذلك علميا، ودون أن نجد دولة قوية، لها مكانتها. أيها العاملون في الأبحاث الاجتماعية، اتقوا الله، قولوا لنا ما السبب في تغير سلوك المصريين، هل الجانب الاقتصادي وتوابعه من بطالة وارتفاع الأسعار وقلة فرص العمل وتدني الدخول وغيرها، أم تراجع دور الأسرة ممثلة في الأب والأم، قولوا لنا لماذا قفز العنف إلي القتل، ولماذا تفككت معظم الأسر، ولماذا كثر الطلاق، هل ذلك بسبب اقتصادي، أم بسبب جرعة النكد الزائدة من الزوجات في البيوت، قولوا لنا يا سادة لماذا وصلنا إلي ما وصلنا إليه. انصحوا، وارفعوا أصواتكم، لا تكتموا الشهادة. في هذا الوقت العصيب.