منذ بدأت لجنة الخمسين في وضع الدستور، والجدل يكاد لا ينتهي بين طائفة وأخرى، أو بين حزب وآخر، حتى شمل بعض المؤسسات في الدولة. ويعنينا من ذلك الجدل ما أثير حول مدى استقلالية اجهزة الرقابة، وانشاء مفوضية عليا لمكافحة الفساد، ثم أخيراً ما حدث فيها بين هيئة النيابة الادارية ومجلس الدولة بصدد المحاكمات التأديبية. وحيث أثبتت التجارب والأبحاث أن كثرة الرقابة تؤدي الى عدم الرقابة على الإطلاق كما أن فكرة العدالة الناجزة بصدد الحفاظ على المال العام، تقتضي منا الأخذ بنظام المحاكم المتخصصة، والمثال العملي لذلك هو قضاء مجلس الدولة، فهو نوع من التخصص أخذ به النظام القضائي المصري منذ عام 1946. وفي هذا الصدد نقترح حلاً من شقين قد يرضي جميع الأطراف، يتمثل الشق الأول في توحيد اجهزة الرقابة، في هيئة عليا للرقابة والمساءلة، وهو ما يعالج تداخل الاختصاصات بين أجهزة الرقابة، وتضارب ما يصدر عنها من تقارير يفسد بعضها الآخر، اضافة الى تنفيذ توصيات هيئة الأممالمتحدة في انشاء مفوضية عليا لمكافحة الفساد. أما الشق الثاني فيتمثل في استقلال القضاء الاداري بكل ما يتصل بالمال العام «أشخاص عامة وأموال عامة» ويختص القضاء العادي بكل ما يتصل بالمال الخاص «أشخاص خاصة وأموال خاصة» فليس هناك من داع لتحقيق المخالفات المالية في النيابة الادارية، وإحالة الجريمة المالية الى النيابة العامة والقضاء العادي فكلهم رجال وعلى نفس القدر من العلم والثقافة القانونية، ويتمتعون بثقة الدولة شأنهم شأن بعض، بل ربما يكون عمل اعضاء النيابة الادارية، والقضاء الاداري، في الحقل الاداري قد اكسبهم خبرة ودراية، لا تتوافر لدى أعضاء النيابة العامة والقضاء العادي الذين اكتسبوا خبرة ودراية هم الآخرون في مجال العمل المدني والجنائي لا تتوافر لأقرانهم من القضاء الاداري. وفيما يلي ملخص لهذا المقترح والذي أوردنا تفاصيله في رسالتنا للدكتوراه بعنوان الرقابة المالية على الأموال العامة في مواجهة الأنشطة غير المشروعة بكلية الحقوق، شبين الكوم 2007». أولاً: توحيد اجهزة الرقابة: نقترح انشاء هيئة عليا للرقابة والمساءلة تتبع البرلمان، وتجمع اجهزة الرقابة القائمة «الجهاز المركزي للمحاسبات وهيئة الرقابة الادارية ومباحث الأموال العامة» للعمل بروح الفريق الواحد، بداية من كشف المخالفة، أو الجريمة المالية أو الاقتصادية، وحتى تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الاقتصادية المختصة، حيث تتكون هذه الهيئة من ثلاثة أقسام أو اجهزة: 1- جهاز المعلومات والضبط «لجميع المعلومات من مصادره المختلفة وتحليلها وضبط وقائع التلبس أو احالتها للتوثيق من جهاز التفتيش والمحاسبة». 2- جهاز التفتيش والمحاسبة «لاجراء الفحص والتفتيش على الأعمال المالية والمخزية والحسابات الختامية.. الخ». 3- جهاز البحث والتنفيذ «اجراء التحريات والبحث اللازمين فيما يطلب منه ومتابعة تنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة الاقتصادية». ثانيا: انشاء المحاكم الاقتصادية المختصة: إن تباطؤ اجراءات التحقيق والمحاكمة، تعد من العوامل المهمة في عدم تفعيل نتائج الرقابة وكثرة العدوان على المال العام. لذا نرى أن انشاء مثل هذه المحاكم لتضطلع بمهمة الفصل فيما يمس الأموال العامة ويقدح في نزاهة الوظيفة العامة، هو مما يعيد القدسية والاحترام الكاملين للمال العام، والموظف العام على السواء، ونتصور تشكيلها على النحو التالي: 1- النيابة الادارية: تضطلع بالدور الكامل في تحقيق المخالفات والجرائم المالية والاقتصادية فيما يتصل بالمال العام، مع توفير الصلاحيات اللازمة التي تمكنها من أداء هذه الرسالة، لكي تمثل المجتمع الاداري وتنوب عنه في الحفاظ على الأموال والممتلكات العامة. 2- المحكمة الاقتصادية: نرى أن تتألف من عدد من الدوائر تشمل جميع التخصصات الادارية والمالية والاقتصادية بالدولة، بما يسمح بسرعة انجاز ما يعرض من قضايا في وقت مناسب، ويتم مباشرة الادعاء امامها بواسطة اعضاء النيابة الادارية، وتشكل كل دائرة بهذه المحكمة من ثلاثة أعضاء: الأول: عضو من مجلس الدولة.. رئيساً الثاني: عضو من الهيئة العليا للرقابة والمساءلة.. عضواً الثالث: عضو فني من الجهة التنفيذية.. عضواً «يختار بطريقة معينة». وأن تتبع هذه المحكمة مجلس الدولة، وأن يطعن على أحاكمها أمام المحكمة الادارية العليا، وأن ترسل الاحكام الصادرة عنها للهيئة العليا للرقابة والمساءلة لمتابعة تنفيذ الحكم من خلال جهاز البحث والتنفيذ بها. وكيل أول وزارة جهاز المحاسبات