تعالت وتكاثرت الأصوات خلال الشهور الماضية للمطالبة بتغيير جميع القيادات الجامعية، وكذا حل المجالس المحلية..! وكان القيادات الحالية قد هبطت علينا من كوكب ثان غريب عنا..! وتناسي أصحاب تلك الصيحات أنه لا يمكن العبث في هياكل الجامعات لأن الجامعات شأنها شأن القضاء إذ يشكلان جناحي الأمة ولا يمكن لأي دولة أن يعلو شأنها بدون تلك الأجنحة، كما أن أي خلل في أي منهما سوف يؤدي إلي السقوط..! ولقد أصبح وزير التعليم العالي في مأزق سياسي لأنه يسمع تلك الصحيات ليل نهار وهو في المقام الأول أستاذ جامعي وابن لأستاذ جامعي ويعي جيدا أن القوانين لم تسقط بسقوط النظام لأن سقوط القوانين يعني سقوط الدولة والدولة بإذن الله لم ولن تسقط والجامعة هي عقل المجتمع فكيف يطلب من العقل أن يستجيب للعواطف؟! وانا لست من انصار القيادات الحالية أو السابقة للجامعات.. كما وأنني والحمد لله لم أكن يوماً واحداً منهم ولكني مقتنع تماما بأن القيادات الجامعية الموجودة حاليا، مثلها مثل القيادات الموجودة في كافة مؤسسات الدولة فيها الممتاز والجيد والرديء وكلهم مصريون.. وكلهم كبروا وترقوا في ظل النظام السابق..! لذلك وجب علينا قبل أن نفكر في عملية التغيير أن نعمل أولا علي صياغة آلية تضمن اختيار أفضل العناصر لشغل المناصب القيادية في الجامعات وفق نظام يتسم بالشفافية علي أن يتم التغيير حينما يحين موعد الإحلال وأري أن هذا لا يمكن أن يتحقق إلا بعد تحقيق قانون تنظيم الجامعات المصرية، وفي هذا الصدد فإنني أقترح علي اصحاب السلطة المختصة ما يلي: 1- إلغاء مسمي رئيس الجامعة واستبداله بلقب مدير الجامعة باعتبار أن هذا المنصب تنفيذي وتكون له كافة السلطات المخولة في القانون الحالي. 2- إلغاء الدرجات المالية لرئيس الجامعة ونوابه - أسوة بعميد الكلية - وجعلها جميعا بدرجة أستاذ كما هو الحال في الهيئات القضائىة، حيث إن جميع قيادات الهيئات القضائىة قضاة وعلي نفس الدرجة، لذلك وجب أن تكون جميع القيادات الأكاديمية للجامعات بدرجة أستاذ، ويكون شغل الأستاذ للوظيفة القيادية عن طريق الندب وليس النقل وفي مقابل الدلات المخصصة للوظيفة. 3- جعل رئيس الوزراء هو السلطة المختصة بتعيين مدير الجامعة ونوابه باعتبارها وظائف تنفيذية. 4- جعل وزير التعليم العالي هو صاحب السلطة المختصة بتعيين عمداء الكليات وهذه النقطة في غاية الأهمية لأنه من المفروض أن الجامعات هيئات مستقلة تديرها مجالس ولا يمكن لمجلس الجامعة أن يدير الجامعة إلا لو كان تعيين أعضاء هذا المجلس »العمداء والنواب« من سلطة تعلو مدير الجامعة.. في هذه الحالة فقط سوف يكون هناك الرأي والرأي الآخر داخل المجلس الذي يسير ويدير أعمال الجامعة. 5- إنشاء مجلس أمناء لكل جامعة يكون نصف أعضائه منتخبين من أعضاء هيئة التدريس، وممثل للعاملين بالجامعة وآخر للطلاب والنصف الآخر معين بمعرفة وزير التعليم العالي »أسوة بمجلس إدارة الشركات القابضة« علي أن تكون العضوية شرفية وليست نظير أي مقابل مالي، ويجتمع هذا المجلس مرتين علي الأقل كل عام لمتابعة أداء القيادات الجامعية ويجوز لهذا المجلس سحب الثقة من تلك القيادات ويكون قراره ملزماً للسلطة المختصة. 6- يكون شغل جميع المناصب التنفيذية بالجامعة »رئيس مجلس قسم - وكيل كيلة - عميد - نائب مدير جامعة ومدير الجامعة« من خلال إعلان تكتب فيه المواصفات المطلوبة وتعرض برامج المتقدمين علي لجنة محايدة تشكلها السلطة المختصة بالتعيين، أما مسألة الانتخابات فهي من وجهة نظري مرفوضة تماما ولعدة أسباب: جميع الوظائف التنفيذية في العالم يتم شغلها بالتعيين، أما المناصب الرقابية فهي التي يتم انتخابها مثل المجالس النيابية والبلدية والمحليات، وفي جميع دول العالم، عدا اليونان يتم تعيين القيادات الاكاديمية بالجامعات. إن تجربة الانتخابات في السنوات الماضية لم تحقق أي تقدم في الجامعات، بل وعلي النقيض وقسمت أعضاء هيئة التدريس الي شلل وخلقت بينهم مشاكل وخلافات وعداوات. إن السماح بحدوث انتخابات للمناصب الاكاديمية سوف يحول الجامعة إلي مسرح لكافة الأحزاب والتيارات وسوف تقوم تلك الاحزاب والجماعات باختيار ممثلها وستتحول عملية الانتخابات الي مسرحية هزلية، وسوف تتحكم الجماعات المنظمة في منظومة التعليم العالي ما يتعارض مع مستقبل البلاد علي المدي القريب والبعيد. د. محمد نبيه الغريب أستاذ بكلية الطب جامعة طنطا [email protected]