بلغة مصرية شعبية ، قال لى صحفى هولندى مخضرم فى شؤن الشرق الاوسط ضاحكا " ، ي بدو ان المصريين اعتقدوا ان كلمة ثورة 25 يناير ، ليس المقصود بها الثورة المعروفة لدى العالم للاصلاح والتغيير الى الاحسن ، بل اعتقدوا انها " ثورة " ، اى انثى او زوجة الثور ، فخرجوا متوشحين بالحماقة لاثارة الفوضى والضجيج بلا وزارع او رادع ، واطلقوا العقال "لهياج "اخلاقى ، وكأنهم فى حلبة صراع و صار الكل ضد الكل . حاولت ان اضحك على مفارقة الكلمات بين الثورة و..الثورة ، وما ارتكب من حماقات فى الشارع المصرى اخلاقيا ، دينيا ، سياسيا ، لكنى لم اجد فى معنى ما قاله ما يضحك ، بل ما يحزن ويسبب الكمد ، فهو صحفى عتيق ، يتقن اللهجة المصرية وقد منذ اعوام بالقاهرة كمراسل لصحيفته . وعندما ادرك ردة فعلى ، قال متداركا ، ان رهان اعداء الثورة الان هو على صبر الشعب ومدى ضجره من غياب الامن ، فالمصرى ميال بطبعه للاستقرار والامان ، فلا تجعلوهم ينتصروا عليكم فى رهان الضجر ، فتضيع اهداف الثورة . ورغم ان ما قاله صحيح تماما ، الا ان كلماته اكدت ان مصر تحت منظار عالمى ودولى دقيق ، الكل يترقب عن قرب او بعد نتائج صراع الثورة واعداءها ، اما لتحقيق هدف او مكسب ما ، او للانقضاض على مصر والتهامها ان اتيحت الفرصه. وعز على ان يتم تشبيه ثورة يناير العظيمة بزوجه الثور الحمقاء " الهائجة " التى " تنطح " كل شئ واى شئ دون تمييز ، فالشوارع لا تزال تضج بالانفلات الامنى والاخلاقى ، ميدان التحرير رمزا اشرف ثورة ، والذى يجب ان يظل طاهرا منزها عن كل مزايدات دينية او سياسية ، تحول الى حديقة لقضاء ساعات الفراغ ، ولتظاهرات المليونيات مختلفة الاسماء ، و انتشر الباعة الجائلون فى " سبوبة " جديدة لبيع العصائر والتسالى للثوار الجدد فى عهد ما بعد الثورة ، انتشرت بشوارع القاهرة وعلى الكباري بها بلا استثناء ، الاكشاك والمقاهى البلدى المتحركة بكل ما بها من موبقات ، واصبحت جملة " ثورة 25 يناير " التى تكتب على هذه العشوائيات ، جواز مرور لتبقى بمنأى عن شرطة المرافق ، والتى اختفت تماما تكريما للثورة او انتقاما منها . باتت السيارات تغطى لوحاتها المعدنية ، باخرى مكتوب عليها ثورة 25 يناير ، وليذهب الانضباط المرورى للجحيم فى تسجيل مخالفات كسر الاشاراتاو السير العكسى ، وخرج علينا الحزب الوطنى البائد مع كل تراثه الفاسد فى اثواب جديدة مزخرفة لتقسيمات حزبية جديدة ، ولكن اضيف فقط لها اسم الثورة ، لتكون جواز مرور الى عالم السياسة فى عهد ما بعد الثورة ، فهناك حزب التحرير ، وحزب 25 يناير وغيره من السميات التى تمسحت فى كلمة ثورة وتحرير ، لينطلى وجودها اللاشرعى على العامة فيعتنقون زيف مبادئها ويهرلون الى عضويتها . ظهرت صرعة قطع الطرق وتعطيل القطارات للى ذراع الحكومة ، او معاقبتها على اى خطأ لو عابر ، فبعد قطع اهالى قنا الطرق الحديدية ، قلدهم اهالى قطور ، بسبب اصطدام قطار بعربة كاروا ومقتل سائقها ، وهو حادث فردى وعابر ، كنا نسمع عن وقوعه يوميا فى عهد 30 سنه فساد مضت ، بسبب المزلقانات المفتوحة والغير مؤمنه ، لكننا لم نسمع وقتها عن قطع حركة قطارات ، و نراه الان لاننا فى عهد الثورة ، وقلدهم اخرون هنا وهناك ، وكان مصالح الوطن باتت عرضة للابتزاز والاستنزاف مخابل اى حادث فردى او عرضى . ارتقعت اسعار السلع الغذائية بصورة جنونية بلغت فى بعضها الى 200% ، واذا سألت البائع لماذا ، يقول لك " الثورة يا بيه " ، وتسأله " مالها الثورة " ، لا تجد عنده اجابه ، هو كده وخلاص الثورة رفعت سعر البصل ، البطيخ ، والطماطم ، وكل السلع التى لا نستوردها ، وتنتجها مصر بصورة طبيعية ، والثورة منها براء . خرجت الفصائل الدينية من مكامنها ، وتصارعت فئات اسلامية مع مسيحية ، رفعت السنج ، واطلقت النيران ، وسقط القتلى والجرحى ، ورفع كل هذه الاطراف شعاراتها تحت مزاعم الحرية الدينية طلبا للمكاب الجديدة فى عهد الثورة . هذا وغيره الكثير ، فكم من الجرائم والحماقات ارتكبت باسمك يا ثورة ، رغم كل هذا ، لدى امل ، امل كبير فى اصالة الشعب المصرى وعودته للصواب ، عودته لطبيعته المجاهدة الصابرة ، ولكن صبره هذه المره لن يكون على فساد يطحنة ويهدم الوطن ، بل صبره على مكافحة الفواحش الاخلاقية التى طفرت فجأة ، بين من اعتقدوا فى غياب الدولة سلطة وامنا ، املى فى عودة شعور الانتماء لدى كل مصرى ، هذا الشعور الذى سرق من المصريين مع سرقة اموالهم وارزاقهم ، فباتوا اعواما طويلة يشعرون ان لا الارض ارضهم ولا خيرها لهم . وهو ما قلته حرفيا لزميلى الهولندى ، قلت ان قدر الماء المغلى والمغلق منذ اعوام ، اذا ما فتحته فجآه ، سيكون الفوران ، وستحدث الاضرار المؤقته وبعض الالام ، ولكن بمرور الوقت سيهدأ الغليان ، وتعود الاشياء لطبيعتها ،سيعود المصرى الى اصله ، معدنه الطيب ، من اجل مصر ، من اجله هو ، حتى المنتفعين فى زمن الفساد ، عليهم ان يبدأو من جديد عهد للطهارة والصلاح والكسب الحلال ، ان يعودوا الى رشدهم ، الى الله ، ان يجدوا لهم مكانا فى عهد الاصلاح والتطهير . لكن علينا ان نتعاون جميعا فى تهدئة هذا الغليان ، كل فى مكانه ، فى عمله ، فى مجاله ، ان نعود الى رشدنا ، حتى لا يضحك علينا العالم ، ويصنف ثورتنا على انها لسيت الا هياج لزوجة الثور " الثورة " ، وتتحول مصر الى حلبة للصراع مليئة بالدماء وجثث القتلى الاحياء ، المصريون الذين انتصروا على اشرس المستعمرين ، وانتصروا على اقوى الاعداء ، قادرين للانتصار على هذه الحماقات التى تفشت فى عهد الثورة ، قادرين للانتصار على انفسهم ونوازع الشر بها ورغبات الانتقام ، فهذا هو اكبر انتصار وافضل جهاد .