انتداب القضاة كانت وسيلة نظام مبارك لإفساد القضاء والسيطرة على السلطة القضائية وترويضها . الندب هو أن يعمل القاضى في أعمال غير قضائية شكلية فيعمل كمستشار لإحدى الجهات الحكومية أو الوزارت أو في التدريس فى الجامعات ومع هذا الندب تتضاعفت مرتبات القضاة أضعاف مضاعفة وأحيانا تحال فى دائرة هذا المستشار قضية ضد المؤسسة المنتدب بها، فيصبح هو الحكم والقاضى ضد المؤسسة التى يعمل بها مستشارا بما يؤثر على استقلال القضاء ونزاهته. انتهت لجنة نظام الحكم بالخمسين أمس الثلاثاء، من صياغة المادة 159 الخاصة بالأحكام المشتركة بالسلطة القضائية، بإلغاء الندب إلا في حالتين الأولى لنفس جهة عمل القاضي، والثانية لإدارة شؤون العدالة للمشاركة في لجان العدالة الانتقالية أو الانتداب كمساعدين لوزير العدل. وافق فقهاء وشيوخ القضاء المصري على قرار لجنة الخمسين ولكنهم طالبوا ببعض الاسثناءات في هذه المادة . إلغاء الانتداب ليس فى حاجة إلى دستور أوضح المستشار أحمد مدحت المراغى "شيخ القضاة ورئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق" أن الدستور يتضمن المبادئ العامة الأساسية والتى تتضمن الحقوق والحريات العامة وتنظيم السلطات العامة للدولة "التشريعية، التنفيذية والقضائية " ولا يتدخل فى التفصيلات والجزئيات التى هى عرضه للتغيرات من وقت إلى أخر وإنما هى مسائل يجب أن ترد فى القوانين الخاصة بالسلطة القضائية بما يحقق للدستور الاستقرار . و ذكر أنه أثناء رئاسته لمجلس القضاء الأعلى قرر عدم جواز ندب رجال القضاء للمؤسسات والوزارت والشركات واتخذ هذا القرار ونفذ على جميع رجال القضاء دون الحاجة إلى قانون أو دستور . الندب يجب أن يكون للجهات السيادية وأضاف "المراغى" أن عدم جواز الندب بصفة مطلقة يجب أن يكون محل نظر لأن هناك جهات سيادية تحتاج إلى خبرة رجال القضاء، فمثلا رئيس الجمهورية من اختصاصه التصديق على أحكام الإعدام فانه من الأفضل أن يكون بجواره مستشارا قانونيا من رجال القضاء حتى يبدى له الرأى فى المسائل القانونية الكبيرة، ولهذا فإنى لا أحبذ المنع المطلق وإنما يجب أن يترك هذا لمجلس القضاء الأعلى على إن يكون هذا الندب للجهات السيادية فقط والتى تحتاج إلى خبرة رجل القضاء . الانتداب سبب تهاوى ثقة المواطن فى القضاء رحب المستشار رفعت السيد "رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق " بالقرار وقال إنه يتمنى أن يتم تأكيد النص فى الدستور لأن من أسباب تهاوى ثقة المواطن فى القضاء المصري برمته سواء كان القضاء المدنى أو الإدارى أو الهيئات القضائية الأخرى، هو ما شهده من ندب لعديد من القضاة فى العمل فى الوزارات والمحافظات وشركات القطاع العام والهيئات والمؤسسات العامة و ما شهدته كل هذه الهيئات التى ندب فيها القضاة من فساد وإفساد فاق كل وصف بل أن أغلب وزراء ورؤساء تلك الهيئات والشركات دخلوا السجون بعدما ثبت أنهم امتهنوا القانون وخالفوا أحكامه وأصدروا قرارات تتنافى مع القانون. و قال بديها لكل عاقل أن هؤلاء الروساء والوزراء لايمكن أن يكونوا قد أصدروا العديد من هذه القرارت بل أقول ربما أغلب هذه القرارات دون أن يحصلوا على ضوء أخضر، وموافقة بل وتشجيع من قبل المستشارون القانونيون المنتدوبون من القضاء وبالتالى فإن محاسبتهم وحدهم فى تقديري هو أمرا بعيد عن الحق والشفافية، لأن الخطأ لابد أن يحاسب مرتكبه ومن شارك فى ارتكابه سواء بالمساعدة أو التفسير الخاطئ و غيره من أنواع المشاركة ولو حدث هذا لكان المئات من رجال القضاء الآن تمت محاسبتهم ونالوا ذات العقاب الذى ناله من استمعوا إلى نصائحهم . من يعترض على إلغاء ندب القضاة فاسد و قال "رفعت السيد" الآن حصص الحق وزهق الباطل فكل من يدافع عن ندب القضاة إلى أى جهة خارج مجلس القضاء اعتقد بصدق وأمانه أنه لا زال ينتمى إلى هذا الفريق الذى أفسد المجتمع ومازلنا نعانى منه ومن فساده وأولى به أن يترك منصة القضاء وأن يذهب إلى هذه الجهات التى كانت تندبه ليحظى فيها بالمال الوفير ويترك القضاء يحظى بالشرف والنزاهة والحيدة والاستقلال، وأهم من ذلك كله ثقة المواطن المصري فى قضائه وإيمانه أن قضاء مصر الشامخ سيظل شامخا بعد أن تطهر ثوبه الناصع من كل من أساء إليه سواء بحسن نية أو سوء نية . فيما أشار المستشار محمد حامد الجمل "رئيس مجلس الدولة الأسبق " إلى أن عدد القضاة سواء القضاة العاديين أو قضاة مجلس الدولة أو قضاة المحكمة الدستورية فى مصر هو عدد قليل جدا، بالنسبة لعدد القضايا والمنازعات بالتالى من مصلحة العدالة إن يستغل ويستخدم كل جهد لأى من القضاة فى أى من هذه الجهات دون العمل فى جهات خارجية. استثناء قضاة مجلس الدولة من إلغاء الانتداب أضاف "الجمل " قائلا: ولكن فى نفس الوقت قضاة مجلس الدولة لهم خصوصية فهم يشتغلون فى القانون الإدارى وبالتالى لابد أن يكون لديهم خبرة فى الأعمال الإدارية للدولة حتى يستطيعوا تطبيقها فيما يعرض عليهم من قضايا فحرمانهم من الانتداب بالوظائف الإدارية بالجهات المختلفة سيحرمهم من تلك الخبرات وسيحرم كذلك تلك الجهات من خبراتهم القانونية . وطالب "الجمل " باتباع النظام القضائى الفرنسي فعندما ينتدب أعضاؤه للعمل باى من الوزرات أو الهيئات، لابد أن يكونوا مستقلين تماما عن تلك الجهات بمعنى أن مقر عملهم والموظفين المساعدين، والمكأفات وحتى وسيلة الانتقال التى يستقلوها تكون تابعة لمجلس الدولة، والدولة تخصص مبالغ فى ميزانية مجلس الدولة لتوفير هذه الامكانيات لكن فى مصر الانتداب يكون على حساب الوزارة أو الجهة التى تنتدبهم مما يجعل هناك شبهة خصوصا، إذا كان القاضى أو المستشار جالس على منصة القضاة فى محكمة تنظر بها قضايا تتعلق بالوزير أو الجهة المنتدب عنها. الفراغ القضائى وأوضح "الجمل" أن أحد أهم إشكاليات الندب الكلى هو أن القضاة المنتدبين لا تكون وظائفهم شاغرة فلا يستطيع مجلس الدولة أو القضاء العادى أن يرقى من يحل محلهم ليشغل المكان الذى أصبح فارغا من هذا الندب. واختتم "الجمل" قائلا: "الأفضل هو منع خاصية الجمع بين الندب ورئاسة المحاكم التى بها قضايا تتعلق بجهة الندب وكذلك إلغاء الندب الجزئي فى هذا السبيل لتركيز القوة القضائية من القضاة لسرعة الفصل فى القضايا والمنازعات" .