استطاع الباحث «محمد زين العابدين» بكلية اللغة العربية بالقاهرة – جامعة الأزهر أن يقدم فى رسالته لنيل درجة الدكتوراه والتى تحمل عنوان (مشروع سكة حديد برلين – بغداد – 1898- 1914م). تحت إشراف كل من الأساتذة: محمد على حلّة – أستاذ التاريخ الحديث المتفرغ بالكلية. السعيد رزق حجاج – أستاذ التاريخ الحديث بالكلية. وتتكون لجنة الحكم والمناقشة من: حسين عبد الله الهنيدى - أستاذ التاريخ الحديث المتفرغ بالكلية إيمان محمد عبد المنعم عامر- أستاذة التاريخ الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة. وحصل الباحث على درجة العالمية «الدكتوراه» فى التاريخ الحديث والمعاصر مع مرتبة الشرف الأولى، واستطاع أن يقدم المشروع الاستعمارى الخاص بالدولة الألمانية فى منطقة الشرق الأوسط وصراعها مع الدول الأوروبية فى تقسيم تركة الإمبراطورية العثمانية أو كما يطلق عليها فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين تركة «الرجل المريض». ففى البداية يوضح الباحث «محمد زين العابدين» أن ألمانيا سلكت سياسة (الاندفاع نحو الشرق Drang Nach Osten)، خلال القرن التاسع عشر، التى ترجع إلى اعتبارات اقتصادية، مثل تراكم رأس المال والنمو الكبير للصناعة ومتطلباتها، مقرونة باستراتيجية ألمانيا «الإمبريالية» وأهمية الدولة العثمانية بولاياتها الآسيوية، الأمر الذى جعل ألمانيا تدخل الدولة العثمانية ضمن نسق (سياستها العالمية Welt-Politik)، وقد روج لهذه السياسة مجموعة كبيرة من الخبراء والعلماء الألمان. وتحت شعار الاندفاع نحو الشرق، حدث تدخل رجال الصناعة والرأسماليون والقادة السياسيون والعسكريون فى الإمبراطورية العثمانية، خلال عصر الإمبراطور فيلهلم الثانى Wilhelm II، فى حين أن بسمارك كان متحفظاً تجاه المسألة الشرقية، حيث لم تشكل لديه السلطنة العثمانية سوى مجال لصراع دول أوروبا «الإمبريالية» على أطراف القارة، أو مجال لاستخدامها فى لعبة التوازنات الأوروبية إذا دعت الحاجة إلى خوض حربين على جبهتين. كانت تلك الحقبة مرحلة تبلور سياسة رسمية ألمانية، حيث إن ارتقاء فيلهلم الثانى إلى العرش الألمانى فى عام 1888، فتح عهدا جديدا فى العلاقات العثمانية – الألمانية، كما أنه بدأ بسط النفوذ الألمانى بدلا من النفوذ البريطانى فى الشرق الأوسط، إذ إن الإمبراطور الطموح لم يقبل سياسة بسمارك الخارجية التقليدية القائمة على التوسع الداخلى، ودعا الأول إلى سياسة خارجية عدوانية تستهدف إيجاد موارد وأسواق جديدة للصناعة الألمانية، وأعرب عن اعتقاده أن ألمانيا يجب أن تتحالف مع النمسا والمجر فى قارة أوروبا. وعلى هذا الأساس اتخذت السياسة الألمانية فى الشرق الأدنى من مسألة سكة حديد برلين– بغداد طابعا استعماريا، لا يتفق مع مصالح الدول الأوروبية الأخرى التى لها مصالح مترسخة فى تلك المنطقة قبل دخول ألمانيا إلى هذا الميدان، نتج عن ذلك اصطدام الأخيرة بهذه القوى، لذلك شكل هذا المشروع واحدة من أهم وأخطر المشاكل الأكثر تعقيداً التى واجهت الدول الكبرى، عندما منحت الحكومة العثمانية المؤسسة الألمانية امتياز بناء سكة حديد لربط إسطنبول مع بغداد عبر آسيا الصغرى، وكان مقرراً أن يخترق هذا المسار المناطق التاريخية البارزة لحضارات بلاد ما بين النهرين القديمة، ومع أن الرأسماليين الألمان هم الذين وضعوا نواة هذا المشروع لتكوين طريق تجارى عظيم دون أى دوافع أخرى، لكن الحكومة الألمانية دخلت هذا المجال كمساند ومروج لهذا المخطط، وبالتالى تغلبت السمة السياسية على العامل التجارى. ويضيف الباحث «محمد زين العابدين» قائلاً: مثلت سكة حديد بغداد بالنسبة للدولة العثمانية أهمية اقتصادية بالغة، حيث كانت بلاد ما بين النهرين فى حالة من التخلف والتردى، لكن الموارد المعدنية فى تلك المنطقة هائلة، ومن الناحية السياسية كانت وجهة نظر السلطان عبد الحميد الثانى أن تمردات شيوخ القبائل وحكام الأقاليم الصغيرة تسبب مشكلة ثابتة للسلطة المركزية، ومع قلة وسائل المواصلات الموجودة آنذاك، من المستحيل قمع أى اضطرابات تحدث فى أركان الإمبراطورية ؛ نتيجة لذلك كان هناك حافز قوى للتعاون مع ألمانيا لإنشاء شبكات سكك حديدية تخدم مصالح الدولة العثمانية فى الناحيتين السياسية والاقتصادية. فى ضوء ذلك حظى مشروع بغداد باحترام المفكرين ورجال المال والسياسة، مثل اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح الذى حوّل فى العصور الوسطى طريق التجارة من الشرق إلى الهند بالدوران حول أفريقيا، فكان هذا الخط من شأنه أن يربط بحر الشمال بالخليج العربى، ويفتح أبواب الشرق للمؤثرات الغربية وتطوير آفاق التعاون بين الشرق والغرب بما يسهم فى عمل شراكة مثمرة تعود بالنفع على الجنس البشرى، غير أن ما حدث هو عكس ذلك بل ترتب عليه صراع دولى كبير. مع ظهور هذه السكة وجدت بريطانيا نفسها فى مواجهة حقيقية مع ألمانيا، إذ إنها لم تعد المسيطر على أفضل طريق مختصر إلى الهند والشرق الأقصى، وبالتالى نظرت بعين الريبة لهذا الطريق الذى يخترق قلب الدولة العثمانية، فكانت تخشى فقدان هيبتها، وتجارتها، ومن المحتمل إمبراطوريتها بالكامل، ومنذ ذلك الحين بدأ رجال الدولة الإنجليز يعدون أنفسهم لخوض المعركة، وكانت الأمة الألمانية اليقظة هى التى قبلت التحدى. كذلك كان لدى فرنسا أكثر من سبب لمعارضة سكة حديد بغداد، صحيح أن الفرنسيين كانوا يسيطرون على شبكات السكك الحديدية فى آسيا العثمانية، وأنهم رأوا أن المشروع الألمانى المزمع إنشاؤه سينافس خطوطهم الحديدية بالإضافة إلى مناهضته لقناة السويس، لربطه عبر تقاطعات وفروع مع شبكات السكك الحديدية الأخرى فى آسيا الصغرى وسوريا وفلسطين، حيث إنه يؤدى إلى تغطية المنطقة بأكملها بشبكات طرق حديثة. أما روسيا فكانت ضد أى مشروع يقوى العمود الفقرى للإمبراطورية العثمانية، نظرا لأطماعها فى (إسطنبول، البحر الأسود، أرمينيا، وبلاد فارس)، فلا شك أن تجربة الحروب التى حدثت فى عهد السلطان العثمانى والقيصر الروسى، كانت ماثلة بين البلدين، إذ إن روسيا تخشى أن تقوم الدولة العثمانية بنقل قواتها وإمداداتها بسرعة على الحدود الروسية، ولهذه الأسباب ناصب الروس المشروع الألمانى العداء منذ ظهوره، لأنه حال دون تحقيق أطماع حكام روسيا فى تلك المنطقة لمدة طويلة. فتبدو أهمية هذه الدراسة فى كونها تعالج كيف أن سكة حديد بغداد تحولت من تنافس بين «الإمبريالية» الأوروبية إلى مسألة شائكة ورطت الدول الكبرى فى سلسلة من المفاوضات الدبلوماسية حتى ظل هذا الطريق شبح القرن العشرين، ورغم أن العديد من القضايا كانت وراء اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، لكن خط بغداد كان أحد الأسباب غير المباشرة لها؛ لأنه فعل الكثير من تسميم الأجواء الدولية بين القوى الأوروبية التى صنعت الحرب».