* الصورة الرائعة لثورة الشعب المصري تشوهها سلوكيات غير مسئولة * ضعف وتردد وزارة »شرف« ينال من رصيد الثقة في هذه الوزارة أصبح الحديث عن الحالة الأمنية المضطربة هو الشغل الشاغل لكل المصريين هذه الأيام. تعددت حركات الاحتياج وتكاثرت حتي لا يكاد يمر يوم الا وشهد العديد من المدن بل والقري الوانا شتي من التجمعات الغاضبة التي بدأت تعبر عن غضبها بوسئذل مستفزة وعنيفة. وتتسبب هذه الحركات الاحتجاجية في خسائر مئات الملايين من الجنيهات في وقت تحتاج فيه الدولة الي كل قرش لمواجهة العجز الخطير في الميزانية فضلا عن الحاجة الي التنمية. الأمر الأكثر خطورة أن عددا من هذه الاحتجاجات يتم بطريقة تصيب المواطن العادي بخسائر فادحة نتيجة لمشاكل الانتقال الي تسببها الاعتصامات بل قد يصل الأمر الي حد تعرض مواطنين لمضاعفات صحية خطيرة عندما لا يتمكن مواطن مريض من الوصول الي حيث تحتاج حالته الصحية الي عناية طبية عاجلة. ما يحدث الآن تفوق آثاره المدمرة ماسببته حالة الانفلات الأمني التي حدثت في الأيام الأولي من ثورة يناير. في حالة الانفلات الأولي اختفت الشرطة حسب خطة هدفها اثاره الفوضي حتي يصاب المواطنون بالفزع ويحملوا الثورة مسئولية انعدام الأمن فتنقلب الجماهير علي الثورة وتستجدي النظام السابق لعودة الشرطة لفرض الأمن وتفشل الثورة لأن الشرطة ستعود بشروطها لسحق المتظاهرين. تنبه الشعب لأهداف هذه الخطة فتصدي لها فورا وبوعي عميق بأهمية نجاح ثورته التي عقد عليها آمالا كبيرة. كان التصدي لمؤامرة الانفلات الأمني بتشكيل »اللجان الشعبية« هو الابتكار العبقري للشعب المصري. تصدت هذه اللجان الشعبية بكفاءة لكل المحاولات الاجرامية التي أرادت استغلال غياب الشرطة لترويع المواطنين أو لارتكاب أي جريمة. وتمكنت هذه اللجان الشعبية من سد الفراغ الأمني الذي سببه انسحاب الشرطة، وتحقق خلال الأيام التي نشطت فيها هذه اللجان قدر كبير من التضامن الشعبي. ما يحدث هذه الأيام هو »انفلات« أمني آثاره خطيرة ومدمرة بعكس الاثار التي حدثت أيام الانفلات الأمني الأول الذي حدث أيام الثورة. والانفلات الأمني الأول اثار في الشعب روح التحدي لمواجهة الخطر فاستنفر الشعب طاقات المقاومة وواجهت اللجان الشعبية حالة الانفلات الأمني بجهد ذاتي لم يسمح لخطة احداث الفراغ الأمني بتحقيق أهدافها وأهم هذه الأهداف دفع الجماهير للوقوف ضد »الثورة« التي حرمته من الأمن. أما النفلات الأمني الثاني هذه الأيام فقد نشأت عنه اثار كارثية وفي أكثر من اتجاه.. أولا: بدأ شعور بالسخط يتسرب الي نفوس قطاعات كبيرة من الجماهير التي احتضنت الثورة وشاركت فيها انتعشت آمالها بمستقبل أفضل تتمتع فيه بالحرية والعدالة الاجتماعية والأمن الحقيقي.. ويتصاعد هذا الشعور بالسخط مع كل يوم يعاني فيه المواطنون من الانفلات الأمني الذي يقط فيه المحتجون الطرق العامة خاصة الطرق الحيوية فتتعطل مصالح جموع المواطنين أو يعطل العمل في مصالح حكومية أو مؤسسات خاصة. اثانياً الانفلات الأمني هذه المرة لم يحدث بتخطيط من سلطة بل بحركات عشوائية من بعض فئات الشعب المفترض أن الثورة قامت لانصافها وهذه الحركات العشوائية تلحق أبلغ الضرر بجموع الشعب، بل وتصيب مصر كوطن بمخاطر جمة. وفي مثل هذه الحالة ينقسم الشعب الذي قدم للعالم أروع أمثلة التلاحم، ينقسم الي مجموعات متنافرة وربما يصل الأمر الي أن تتطور الأمورلاحقا الي فرق متصارعة. وفي مناخ الصراع والسخط هذا لا يمكن للثورة أن تحقق أهدافها في تحقيق آمال جموع المواطنين وتتعرض الثورة للفشل. هذه الحالة من الانفلات الأمني الثاني تتحمل مسئوليته كاملة حكومة الدكتور عصام شرف والمفارقة هنا أن الدكتور شرف اكتسب شرعية اختياره لرئاسة الوزارة من هذه الثورة الشعبية والمفروض أنه تحمل نتيجة لذلك أمانة تحقيق أهداف الثورة والوصول بها الي نقطة الانطلاق الآمن نحو تحقيق هذه الأهداف خلال الفترة الانتقالية الحرجة التي يتولي فيها الدكتور شرف مسئولية الحكم. ولا يمكن أن يتصور عاقل أن الدكتور عصام شرف لا يدرك خطورة الانفلات الأمني الذي تعاني منه البلاد هذه الأيام ولا أشك لحظة في أن د. شرف ومعه كل أعضاء وزارته يدركون أبعاد الأخطار التي تهدد الثورة بل وتهدد مصر كدولة اذا استمرت حالة الانفلات الأمني هذه لفترة أخري. ولا أشك أيضا في أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة يدرك هذه المخاطر. فاذا كان الأمر كذلك، وإذا كانت حالة الانفلات الأمني لاتزال مستمرة، فلا يمكن تفسير »تجاهل« هذه الجهات لما يحدث وتعاملها بقدر غريب من التردد والتراخي بأحد الأسباب التالية: أولاً: إن الدكتور شرف حريص علي أن يبدو في صورة الرجل الذي يتعاطف مع المحتجين مهما كانت وسائل تعبيرهم عن الاحتجاج وحتي لو تسببت في إلحاق أبلغ الضرر بجموع المواطنين. فإن كان هذا هو السبب فهي الكارثة لأن معني هذا أن تستمر هذه الحركات وان تتراكم الاثار السلبية الخطيرة التي تهدد الثورة بل وتهدد الدولة. ثانياً: أن يكون الدكتور شرف قد طلب من وزير الداخلية استخدام جميع الوسائل المشروعة التي »تردع« من يعرض مصالح الجماهير للخطر ومن يقطع الطرق أو يعطل العمل بمصالح حكومية أو يعرض منشآت عامة أو خاصة للتوقف أو لخطر، وأن يكون وزير الداخلية قد تقاعس ولم ينفذ ما طلبه رئيس الوزراء مع العلم بأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة قد اصدر مرسوما بقانون لردع مثل هذه الأعمال. وفي هذه الحالة فانه علي الدكتور عصام شرف أن يعلن للشعب صراحة أنه سيقيل وزير الداخلية وأنه سيعين وزيراً آخر يستطيع أن ينهي حالة الانفلات الأمني هذه. ثالثاً: أن يكون وزير الداخلية قد أصدر تعليماته وأوامره فعلا لردع حالات الانفلات هذه وأن القيادات الأمنية لم تنفذ أوامر وزير الداخلية. وفي هذه الحالة علي وزير الداخلية ان يحاسب فورا القيادات التي تعطل تنفيذ أوامره أو التي تتقاعس ولا تنفذ هذه الأوامر ميدانيا. ويتم الاعلان بوضوح وفي جميع وسائل الاعلام عن معاقبة من لم ينفذ هذه الأوامر. رابعاً: أن يكون رئيس الوزراء غير مخول باتخاذ القرارات والاجراءات الحاسمة التي تتعلق بشئون الأمن وأن يكون قد طلب من المجلس الأعلي للقوات المسلحة أن تكون له حرية التصرف في هذا الشأن ولم يتم الاستجابة لطلبه وهنا يجب أن يقدم الدكتور عصام شرف استقالته المسببة ويعلنها علي الملأ وسواء كانت هذه الأسباب أو بعضها هو ما جعل الدكتور شرف يبدو »عاجزاً« تماما عن مواجهة حالة الانفلات الأمني الخطيرة حاليا، أو كانت هناك أسباب أخري فلن يغفر الشعب للدكتور شرف هذا الموقف العاجز أو المتردد إذا لم يتحرك فورا لانهاء هذه المهزلة التي نالت من صورة الثورة الشعبية المصرية ولطخت وجهها المضيء الذي انبهر به العالم بل وتهدد وجود الدولة اذا استمرت هذه الحالة. الردع الحاسم بالقوة المشروعة ستقابله جموع الشعب بالارتياح بل وبالتأييد التام والوقوف بقوة الي جانب الشرطة والقوات المسلحة وهي تمارس ردعا حاسما ومستمرا لكل الوان الخروج علي القانون وتحدي هيبة الدولة في كل المظاهر صغيرها وكبيرها. وبغير تحرك سريع وسريع جداً لتحقيق مثل هذا الردع فإن المسئولية عن كل ما حدث وسوف يحدث يتحملها كاملة د. عصام شرف والمجلس الأعلي للقوات المسلحة.