الأمن ومكافحة الغلاء هما مظهر تواجد الدولة.. بل لا وجود للدولة إذا تقاعست عن حماية المواطنين وتأمين الشارع.. وأيضا مطاردة الجشعين من التجار، أي مكافحة الغلاء. ولولا انشغال الدولة بمكافحة الإرهاب لطالبت بنزول كل قوي الدولة إلي الشوارع لتأمين الناس.. ولكن علي الدولة تفعيل ما يمكنها لفرض الأمن، ولو بالقوة.. ومهما كان الثمن.. وكذلك الوضع بالنسبة للغلاء الفاحش الذي يضرب كل الناس. ** والذي يدافع عن حرية الأسواق يدافع عن اللصوص.. ومن يدعي أن عودة التسعيرة الجبرية ردة اقتصادية يجب ردعه بعد أن فاقت الأسعار تحمل أي مواطن، مهما كان غناه. ولقد باتت العودة إلي التسعيرة الجبرية ضرورة ملحة بعد أن فاقت موجات الغلاء كل تحمل.. والبعض يربط الغلاء بربط الأسعار بسعر الدولار.. وهل نحن نستورد الفجل والجرجير بالدولار.. والبعض يربط الأسعار بعروة الإنتاج.. وهناك من يربطها بموسم بدء العام الدراسي.. وآخرون يربطونها بأي علاوة يحصل عليها الموظف.. وربطوها هذه الأيام بتحديد الحد الأدني للأجور.. رغم أن تنفيذ هذا القرار سيبدأ في يناير القادم، ثم إن كل المصريين ليسوا موظفين سوف يحصلون علي هذا الحد الأدني.. فهناك نسبة كبيرة لا تعمل بالحكومة.. ثم إن القرار يتعثر بالنسبة للعاملين بالقطاع الخاص!! وهناك من ربط ذلك بتوقف القطارات.. وأيضا بساعات حظر التجول بل بارتفاع تكاليف النقل وأسعار الوقود. ** وإذا كان بعض ذلك صحيحاً، فإن جشع التجار هو السبب الأكبر.. ولذلك نجد من التجار من يعترض علي التسعيرة.. وهؤلاء هم الجشعون الذين يستغلون ضعف السلطة، بل غيابها الكامل عن الأسواق.. رغم أن جهاز مفتشي التموين مازال موجوداً ويصرف كل العاملين فيه أجورهم، ولكن دون عمل.. حتي شرطة التموين غابت.. لأن السلطة نفسها تغمض العيون عن هذا الجشع.. ورحم الله زمنا كان السوق يهتز رعباً بمجرد ظهور مفتش التموين في أول السوق.. وكذلك عندما كانت تتواجد في كل سوق نقطة شرطة يلجأ إليها الناس إذا أحسوا بالغبن أو جشع أحد التجار. ** وأعتقد أن الدكتور محمد أبوشادي لم ينسي أن لقبه الرسمي هو وزير التموين.. والتجارة الداخلية.. وأن مهمته الأولي هي إعادة سلطة الدولة إلي مكانها الطبيعي.. وهو قادر علي ذلك، وأري هذا من حزمه ومن اصراره علي إعادة سلطة الدولة إلي وضعها الطبيعي، ويجب ألا يخشي تهديدات الجشعين الذين قد يلجأون إلي حجب كثير من السلع.. ولكن سياسة الحجب لن تستمر طويلاً فالتاجر هو الخاسر، وبالذات أن معظم الخضر والفواكه قابلة للتلف السريع، وهنا يأتي دور المستهلك فإذا كان الوزير- ممثل السلطة- يملك سلطة القرار.. فإن الشعب يملك هو سلطة ردع وتأديب الجشعين.. وهنا يأتي سلاح مقاطعة أي سلعة تزيد أسعارها علي المقبول.. والشعب هو وسيلة التأديب الكبري.. والمقاطعة سلاح تلجأ إليه الشعوب المتحضرة بحزم وحسم.. ودائماً ما تنجح، ولكن ينجح التجار في حجب السلع الجيدة.. وطرح الأقل جودة. ** والجشعون من التجار لهم أساليب عديدة غير زيادة الأسعار مثل اللعب في عملية الميزان، هنا نقول لهم ما نزل من الله سبحانه وتعالي {ويل للمطففين..}. وهذا يدفعنا إلي إعادة أسلوب تجريس الجشعين.. أي يتم إجلاس الواحد منهم وظهره لرأس الحمار ويمسك بالذيل وتطوف به السلطة وسط الطبول والدفوف.. ومنادي المحتسب ليعلم الناس أن هذا التاجر يغش في الميزان ويزيد الأسعار.. وظلت عملية التجريس مستمرة لقرون عديدة.. ويتبع ذلك إعلان علي دكان هذا الغشاش يعلن للناس جريمته ليعاقب جماهيرياً. ** وأمام الدكتور محمد أبو شادي فرصة أن يجلس في قلوب كل المصريين، كما جلس يوماً الدكتور أحمد جويلي شفاه الله.. وهنا يأتي دور الوزير في إعادة تفعيل دور المجمعات الاستهلاكية لتوفير السلع الجيدة بالسعر المعقول، وهذا حديث آخر.. ويدنا معك يا وزير التموين.