ليس من شك أن مفهوم الدولة يتعارض بشكل قاطع مع كل ما من شأنه دعم الانتماء إلى تنظيمات دولية، وهو الأمر الذى يدفع بجماعة الإخوان بعيداً عن متطلبات المشهد الوطني، دون إنكار لأهمية انخراطهم ضمن منظومة العمل الوطنى التى تتسع لتشمل مجالات عدة،لا تقتصر على العمل السياسى. فكون الجماعة تعمل فى إطار تنظيم دولي، ينزع عنها سمة الوطنية اللازمة ليس لتولى القيادة فحسب، وإنما للاندماج فى الحياة السياسية بشكل عام، فذلك أمر يتخطى الدوافع التى جعلت من شرط الجنسية المصرية ضرورة للترشح للرئاسة، ذلك أن التنظيم الدولى هو المنوط به وضع الاستراتيجية الشاملة للتنظيم، وصياغة السياسات التى بموجبها يمكن تحقيق هذه الاستراتيجيات، دون النظر إلى اعتبارات تبدو لنا فى مصر بديهيات وطنية لا ينبغى تجاوزها. ولا يخفى على أحد أن قيادات التنظيم الدولى للإخوان اجتمعت فى الخارج أكثر من مرة لإدارة «الأزمة» التى لحقت بهم فى مصر، بل يمكن التأكيد على أن التنظيم الدولى للإخوان هو الذى يقود حركة الجماعة الآن فى مصر بعد إلقاء القبض على كثير من القيادات الإخوانية بموجب قرارات صادرة بحقهم من النيابة العامة، الأمر الذى يخرج عن دائرة الاعتقالات السياسية كما يحلو لبقايا الجماعة الزعم أمام شاشات الفضائيات. وإذا كانت جماعة الإخوان قد حسمت أمرها واختارت الانحياز إلى تنظيمها الدولى، مبتعدة بذلك عن الصف الوطني، فإن الأحزاب الأخرى ذات المرجعية الدينية مطالبة الآن باتخاذ مواقف تعبر بها عن حقيقة توجهاتها، ومدى التزامها وانتمائها بالقضايا الوطنية، وبروح ثورة الخامس والعشرين من يناير، تلك الثورة الأم التى أفرزت موجتها التصحيحية فى الثلاثين من يونيو بعد أن انحرفت بها الممارسات الإخوانية باتجاه مصالح التنظيم الدولى الذى لم يكن يوماً طرفاً فى عمل وطني، ومن ثم فإن أحزاباً ذات مرجعية دينية باتت أمراً لا يمكن توقع وجوده، بشكل أو بآخر، فى المرحلة القادمة.