في الستينيات من القرن الماضي تغير المسرح شكلا ومضمونا لكي يواكب ثورات الشباب في فرنسا وإسبانيا ومنها الي نيويورك، كان المسرح سباقا لكل الفنون حتي أن الشاعر الفرنسي سان چون بيرس قال: المسرح الفرنسي ساهم بشجاعة في تغيير أسلوب ونمط وعقل جيل كامل كان يرتمي بكل كيانه في حالة من الغثيان والفوضي، وقد كانت ثورة 68 الطلابية نابضة بكل طموحاته التي ظهرت في هذا الفوران المسرحي الكاسح، وفي هذه السنوات شهدت فرنسا ميلاد مسرح الأحياء ثم مسرح الشارع ثم مسرح القهوة. وكلها أشكال من التمرد علي المسرح التقليدي، بل إن هذا المسرح قدم أصعب ألوان الفكر فقد شاهد الشباب أعمال سارتر وفرانسوا ساجان ورموز المسرح الكلاسيكي ثم كتاب مسرح الشباب مثل سيرچي فلاورني وميتشو برادو ولويس براتشي وكانت أعمالهم تتجول في العواصم الأوروبية، بل ان نجاح تجاربهم هذه أفرز جيلا من المخرجين أيضا وجعل انتشارها سريعا في بولندا والمجر والتشيك وإسبانيا.. بل المدهش أن هذا المسرح المتمرد ضد الرأسمالية الشرسة واستبداد الرأي الواحد قد انتقل الي نيويورك وكان من أهم من كتبوا لمسرح الشارع الشاعر وليم تيدران الذي قدم لمسرح الشارع في نيويورك أكثر من خمسين عرضا مسرحيا خلال السنوات ما بين 1969 حتي 1980 ومع انتشار هذه التجربة عرف المسرح الانجليزي أيضا نوعا من التمرد ولكن في النص فقط، وقد استوعب الأعمال التي تنتمي الي اللامعقول أو مسرح العبث وفي أوروبا قدم صموئيل بكيت ثورة في المسرح تعتمد علي الفكر اليساري المقاوم.. وقد نجحت أعماله ببراعة حيث انتشرت أعماله مترجمة في أغلب بلاد العالم.. أما في مسرحنا العربي فلا نزال نحاول التجريب ولم ينجح مهرجان المسرح التجريبي في مصر برغم أنه تجاوز عمره عشرين عاما وخلال دوراته قدم الكثير إلا أنه لم يرسخ التجديد المطلوب.. وهو ما يدعونا أن نعيد مهرجان المسرح التجريبي الي الساحة مرة أخري ولكن مع تطور طموحه وأوراقه يفيد الباحثين والمخرجين والكتاب المصريين والعرب في الدخول الي التجديد الحقيقي في المسرح.. مسرحنا في مصر في مفترق الطرق ويحتاج الي ثورة لتدمير الكساد الذي انتشر سنوات وبرغم انتشار القاعات الصغيرة التي افتتحها الشباب بجهود وذكاء وبعض هذه المسارح كانت مجرد خرابات وجراجات مهجورة، أضاءت وقدمت أعمالا بارعة، تنتظر عودة الأمن. وفي لبنان انتشرت القاعات المسرحية الصغيرة في بدايات السبعينيات وقاوم أثناء سنوات الحروب وكانت العروض كثيرة منها يبدأ في الظهر أو ما قبل الغروب تمشيا مع ظروف الحرب، وخلال هذه الفترة قدم المسرح اللبناني الكثير من الرموز والجدد.. مسرحنا العربي يحتاج الي صحوة مع النصوص الثورية الجديدة ومع طموح الشباب وضميره.