قالت وكالة "رويترز" العالمية للأنباء أن تركيا ورئيس وزرائها "رجب طيب أردوجان" تواجه تحديًا كبيًرا ، حيث تزداد عزلتها ، بعد أن كانت لاعبًا رئيسًا فى الشرق الأوسط . وأشارت الوكالة إلى أن تركيا وقفت بقوة إلى جانب ثورات الربيع العربي ودعمت الديمقراطيات الناشئة فى مصر وتونس وليبيا واتخذت موقفا مساندا بقوة للثورة فى سوريا ، على أمل تكرار التجربة التركية الناجحة فى إقصاء العسكر من الساحة السياسية وإقامة نظام ديمقراطى مدنى حديث مكن البلاد من إحداث طفرة اقتصادية كبيرة خلال الأعوام الماضية . إلا أن التغيرات الأخيرة على الساحة فى الشرق الأوسط جعلت الضغوط تتزايد على تركيا ورئيس وزرائها . فبعد أن استقرت الأمور فى مصر لصالح الإخوان المسلمين المدعومين من تركيا خلال العام الماضى ، عادت الأمور إلى الوراء بعد تم الإطاحة بالرئيس الإسلامى محمد مرسى بمعرفة الجيش فى يوليو الماضى لتدخل العلاقة بين مصر وتركيا مرحلة سيئة ، بعد أن كانت فى أفضل حالاتها من جميع الجوانب . فقد رفضت تركيا ما أسمته بالانقلاب العسكرى على الرئيس المنتخب محمد مرسى وأدانت الانقلاب ، وتقطعت العلاقات الدبلوماسية بين القاهرةوأنقرة ، وتضررت العلاقة بين تركيا ودول الخليج الداعمة لعزل مرسى ، وهى الدول التى كانت وراء ازدهار الاقتصاد التركي فى السنوات الماضية خاصة السعودية والإمارات, وتشير الإحصاءات إلى أن الموقف التركي المؤيد صراحة للإخوان المسلمين تسبب فى تراجع حجم التجارة والاستثمارات الخليجية . وقالت إحدى وكالات الإحصاءات فى تركيا أن الصادرات التركية إلى الشرق الأوسط تراجعت بمقدار الثلث تقريبا في يوليو إلى 3.1 مليار دولار عن العام السابق , وأعلنت إحدى شركات البترول المملوكة للدولة فى الإمارات الشهر الماضي أنه تم تأخير مشروع بقيمة 12 مليار دولار لبناء عدة محطات للطاقة في تركيا ، وهو قرار اعتبره البعض دوافع سياسية . وأشار "تيموثي آش، الخبير الاقتصادي في بنك ستاندرد في لندن :" أن الشعور المتزايد بالعزلة لتركيا في المنطقة ، يحمل مخاطر تآكل الفوائد من خطوات هائلة تم إحرازها على مدى العقد الماضي من حيث تنمية تدفقات التجارة والاستثمار ". ويرى بعض الخبراء والمعارضين فى تركيا أن أردوجان يخاطر بتنفير بعض المستثمرين الخليجيين المهمين في تركيا ، وكذلك إضعاف النفوذ الدبلوماسي مع القوى الدولية, وإذا كانت العلاقات مع مصر أثرت بشكل واضح على علاقات تركيا الاقتصادية والسياسية بدول الخليج ، فإن الموقف التركي من الأزمة فى سوريا لا يقل أهمية وخطورة على وضع تركيا, فقد أيدت تركيا منذ البداية الثورة ضد الرئيس السوري"بشار الأسد" وأيدت مؤخرا التدخل العسكرى الغربي ضد الأسد ، بل إنها طالبت بألا تكون الضربات الأمريكية المحتملة لسوريا ، ليست على غرار ما حدث فى كوسوفو عام 1999 ، حيث كانت خاطفة وليس مؤثرة . وقال "أردوجان" أي ضربات لا ينبغي أن تكون مجرد " 24 ساعة بنظام الكر والفر " ويجب أن تقود الضربات إلى التخلص من الأسد. إلا أن الاتفاق الأخير الذى تم هذا الأسبوع بين روسيا وأمريكا بخصوص تدمير الأسلحة الكيماوية فى سوريا وتفادي الضربات العسكرية الأمريكية ، يعتبر انتكاسة لتركيا التى دعمت بقوة تلك الضربات. ومما لاشك فيه أن تراجع قدرة أنقرة على التأثير فى جيرانها يجعلها حليفًا أقل فائدة لواشنطن و دول غربية أخرى تسعى لشركاء موثوق بهم في الشرق الأوسط المضطرب , فقد ساءت علاقات تركيا بالعراق وإيران ومصر ودول الخليج وسوريا وحتى إسرائيل تقريبًا وهو ما يعني العزلة فى المنطقة. وقال "سونر كاجابتاي" من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن الزعيم التركي خاطر من خلال دعم جماعة الإخوان فى مختلف البلدان العربية. وفي حين أن سياسة تركيا الخارجية تستحق الثناء لدعم الحركات الديمقراطية و الإطاحة بالدكتاتوريات ... إلا أنه لا يمكن الرهان على حزب سياسي واحد". فقد تمنت تركيا أن يفوز الإخوان فى ليبيا بالحكم وكذلك فى مصر ونفس الشىء فى سوريا ، إلا أن ذلك لم يتحقق كما ينبغى. وقال "سنان اولجن" ، رئيس مركز أسطنبول لدراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية إن انهيار جماعة الإخوان فى مصر أغضب أردوجان ، ولم يكن ذلك فقط لأنه فتح نقاشا حول ما إذا كانت الديمقراطية والإسلام السياسي يمكن أن يتعايشان ، ولكن أيضا كون ذلك يلقى بظلال على استمرار نجاح حزب العدالة والتنمية الذى يرأسه أردوجان ، حيث أن هناك تشابهًا بتجربته الخاصة في تركيا ، حيث ضغط على الجيش العلماني في عام 1997 حين كان رئيسا لبلدية أسطنبول وتمكن من خلال حزبه الإسلامى من الهيمنة على السياسة التركية حتى الآن ، . ورغم أن السياسة الخارجية من غير المرجح أن تتصدر جدول الأعمال عندما يتوجه الناخبون الأتراك إلى الانتخابات المحلية والبرلمانية و الرئاسية على مدى العامين المقبلين ، إلا أن هناك أغلبية معارضة ترفض التورط بشكل أعمق في الأزمة السورية ومن شأن أى تطورات أن تؤثر على الانتخابات التركية . وعندما زار الزعيم التركي البيت الأبيض قبل أربعة أشهر ، قال أنه عازم على دفع الرئيس باراك أوباما إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزما تجاه سوريا ، وكان يهدف إلى توجية ضربات عسكرية تقصى الأسد بعيدًا عن السلطة. غير أن التطورات الأخيرة أحبطت مساعي "أردوجان" حسبما يقول"فاروق لوغوغلو" ، السفير التركي السابق في واشنطن و نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي. وأضاف "لوغوغلو":" بصراحة ، السيد أردوجان ينتهج سياسة خارجية يهيمن عليها الطابع الديني السني ... وقد ظهر ذلك سواء في العراق أو مصر أو سوريا ، وهى سياسة مفلسة " وتنفى حكومة "أردوحان" بشدة أي أجندة طائفية في سوريا أو المنطقة على نطاق أوسع ، ويشير مساعدوه إلى أن أردوجان كان له علاقات جيدة مع الأسد لسنوات قبل الأزمة . وقال "إبراهيم كالين" ، أحد كبار مستشاري السياسة الخارجية لأردوجان ، على حسابه فى موقع تويتر الشهر الماضي :" إن الادعاء بأن تركيا هي وحدها في الشرق الأوسط ليس صحيحا، وإذا كنا نحن بمواقفنا الداعمة للحريات والديمقراطية نعتبر فى عزلة ، فتلك هى عزلة إيجابية ". وقال "هناك لحظات تأتي في التاريخ عندما تكون وحيدا على جانب من الحقيقة في جو حيث يصمت فيه العالم على الانقلابات والمذابح, لا يمكنك التخلي عن القيم والمبادئ الخاصة بك فقط لحلفائكم وبلدان أخرى لا تأخذ الجانب الخاص بك". والحق أن "أردوجان" ظل لسنوات طويلة زعيما ذو شعبية واسعة فى الشرق الأوسط ", كما أن تركيا حسب ما يؤكده المسئولون الأتراك ليست وحدها فى السياسة الإقليمية أو الدولية ، وقبل عشر سنوات لم يكن هناك من يهتم بما تقوله تركيا ولكن اليوم الوضع اختلف تماما"