لا تخلو جلسة من جلسات الحوار، التي تدور هذه الأيام بين الأصدقاء، أو زملاء العمل، أو في محيط الاسرة نفسها، وحتي في مجالس السمر، إلا ويثور التساؤل فيها عن رئيس مصر القادم. كل هذه الحوارات والنقاشات، تدور في الغالب، إما حول الرأي القائل بأن رئيس مصر القادم، يجب أن ينتمي للمؤسسة العسكرية، وإما حول الرأي الذي يؤيد البعد تماما عن الحكم العسكري. وفي تقديري، أن لكلا الرأيين وجاهته ولديه من الحجج ما يبرره. أما عن حجج الرأي الذي يطالب بضرورة الابتعاد عن الحكم العسكري، أصحاب هذا الرأي يرون أن الرئيس القادم إذا جاء من رجال الجيش، فلن يترك الحكم أبداً. ودليل هؤلاء، العهود الثلاثة الماضية التي تولي فيها الحكم قائد من القوات المسلحة، بدأ من عهد عبد الناصر، ومرورا بعهد السادات، ووصولا لعهد مبارك. جميع هؤلاء الحكام لم يتركوا الحكم اختيارا، بل إنهم لم يعطوا أدني فرصة لشخص مدني لكي يصل للحكم. أصحاب هذا الرأي يرون أن رجل الجيش إذا ما حكم البلاد سيستمر في حكمه، ولن يتركه ابدا إلا إذا أتته المنية أو أن يخلع خلعا، كما حدث مع الرئيس السابق مبارك. وبالتالي فإن هؤلاء يرون أنه لا أمل في حياة مدنية تنعم فيها مصر بالحرية والديمقراطية ، طالما أن الحكم قد آل إلي العسكر مرة أخري. هذا هو ملخص رأي المعارضين لتولي الحكم أحد رجال القوات المسلحة. أما المؤيدون، فحجتهم في ذلك هي الظروف الحالية التي تمر بها مصر وما تتعرض له من عمليات ارهابية واجرامية تهدد أمن وامان البلاد. أصحاب هذا الرأي يرون أن هذا الوضع المتردي، يقتضي ان يتولى حكم البلاد رجل قوي، يستند إلي قوة يستطيع أن يبطش بها إذا ما اقتضي الأمر ذلك. في تقدير اصحاب هذا الرأي، أن أمن وأمان مصر هما الأولي، وبالتالي فلا ضير لدي هؤلاء من تعطيل الحياة المدنية وكذا الديمقراطية والحرية، للفترة التي ينتهي فيها هذا الارهاب الأسود. وبنظرة متأنية لهذين الرأيين، فإني أجد أن الرأي الذي يطالب بضرورة أن يكون رئيس مصر القادم من المنتمين للمؤسسة العسكرية، هو الأولي بالتأييد، لاسيما في ظل هذه المرحلة الحرجة وتلك الظروف الاستثنائية ، فرغم أني أنتمي إلي حزب يميني ديمقراطي حر وأعتنق مبادئه بشدة، ورغم أني اتمني ان اري بلادي تحكم بحكم مدني، يتم فيه تبادل السلطة وينعم شعبه بالحرية الكاملة والديمقراطية الحقة، فرغم هذا كله فإني لا أجد غضاضة في أن يكون رئيس مصر القادم رجلاً قوياً ينتمي للمؤسسة العسكرية، حتي تكون له الدراية الكاملة بكل المخاطر التي تتعرض لها مصر في تلك الظروف الحرجة، وتكون لديه من الخبرة ما يمكنه من العبور بمصر الي بر الأمان. أيها السيدات والسادة.. مصر الآن تقف في مهب الريح . فليس خافيا عليك يا عزيزي القارئ أن الرياح الآتية من الغرب ومن امريكا واسرائيل، رياح مسمومة، قد تعصف بنا في أي وقت وبأي حجة. لقد سبق لأمريكا واسرائيل أن اتفقتا مع جماعة الاخوان علي تنفيذ مخططهما الرامي إلي ايجاد منطقة شرق اوسط جديد قائم علي تفتيت المنطقة العربية كلها إلي دويلات صغيرة، يسهل لإسرائيل ابتلاعها ولأمريكا امتصاص دمائها وخيراتها. أما الغرب الذي يؤيد ويبارك هذه الخطة الجهنمية، فمصلحته تكمن في درء المخاطر الآتية له من الشرق الأوسط وخاصة نزوح فقراء هذه المنطقة إلي بلادهم. تلك الخطة الجهنمية لتفتيت الشرق الأوسط يصعب علي امريكا واسرائيل الاعتراف بالفشل في تنفيذها. وبالتالي فلن يدخرا جهدا في سبيل العودة مرة أخري لتنفيذ هذا المخطط الأسود. من هنا فمصر الآن مهددة بهذا المخطط الشيطاني، وفشل امريكا واسرائيل حاليا لا يعني أنهما سيتراجعان عن تنفيذه، ولكن من المؤكد أنهما سيعودان مرة أخري للعمل علي تنفيذه من جديد. أعود فأقول.. مصر في هذه المرحلة الحرجة في أشد الحاجة لأن يتولى حكم البلاد رجل قوي يستند الي قوة عسكرية ضاربة، تستطيع الدفاع عن البلاد سواء كان التهديد خارجيا أم داخليا. فنحن الآن في اشد الحاجة الي الأمن والاستقرار والبداية علي الطريق الصحيح اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وفي تقديري ان هذا الأمر يصعب علي اي مدني ان يحققه، بل ربما يكون الامل في رجل عسكري قوي. وأخيرا.. أقول لمن يخشي علي مصر من الحكم العسكري . إن مصر الحاضر لن تحكم كما كانت في الماضي، فرئيس مصر القادم - سواء أكان منتميا إلي المؤسسة العسكرية أم كان رجلاً مدنياً - سيأتي علي كل حال وفقا للإرادة الشعبية وبانتخاب حر مباشر، ولن يستمر في حكم البلاد ولو لساعة واحدة، إلا بتأييد من شعب مصر. عاشت مصر حرة أبية... بأبنائها المخلصين الأوفياء لوطنهم.