أجمل ما فى ثورة «30 يونية» ليس فى تصحيحها مسار ثورة «25 يناير» فحسب، ولا فى نزعها صلاحية نظام الإخوان الفاشى المستبد، وإنما فى نجاحها وبامتياز فى إخراج مصر من قفص التبعية، والخضوع للهيمنة الأمريكية والأوروبية، فضلاً عن كسر شوكة الغرب على صخرة التضامن العربى،والمواقف المشرفة لبعض زعماء وقادة وأمراء وملوك السعودية والإمارات والأردن والبحرين، وغيرها من الدول الرافضة لإرهاب بلد الأزهر، حاضنة موسى وعيسى ومريم العذراء. لقد فوجئ الأمريكان والأوروبيون أن مصر المنهارة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً، مازالت عفية، عصية، لا يمكن لأى قوة فى العالم أن تجبرها على بيع إرادة شعبها بأبخس الإثمان. واكتشف هؤلاء أنهم استندوا على «حيطة مايلة» عندما وقفوا ضد إرادة من أشعلوا أكبر ثورتين فى العالم خلال فترة لا تتجاوز «30 شهراً»، وعلى الرغم من أن بعضهم عدل موقفه مؤخراً، وأبدى مرونة فى تفهم أن ما حدث فى مصر ثورة بالفعل لا انقلاب، إلا أن سياسة بقاء الباب موارباً مع الإخوان، وحلفائهم فى الداخل والخارج لا تنطلى على المصريين، الرافضين لأى تهديدات وضغوطات عسكرية وسياسية واقتصادية. ونجحت كتيبة الدبلوماسية المصرية الرسمية والشعبية فى إقناع شعوب الكثير من الدول الغربية، بخارطة الطريق التى أعلنها الفريق السيسى فى «3 يوليو»، وتمكن المصريون فى الخارج من إفشال الحملة العدائية التحريضية لثلاثى الكونجرس الأمريكى «ماكين، ليبرمان، أيوت» وإسقاط مشروع أوباما فى المنطقة، ورغبته فى إقامة شرق أوسط جديد بقيادة صهيونية إسرائيلية، على أنقاض نزاعات دينية عرقية يتم تزكيتها وإشعالها لتحقيق أحلام تل أبيب. هذا النجاح أربك أوباما، وأصاب إدارته بحالة من فقدان التوازن، جعلته يبحث عن جبهة أخرى يثبت فيها للشعب الأمريكى أن دولته مازالت الأقوى، فاتجه نحو سوريا مهدداً متوعداً بضربة عسكرية متحدياً إرادة المجتمع الدولى، متذرعاً باستخدام الرئيس الأسد سلاحاً كيماوياً، ونسى الرئيس أوباما أن دولة أمريكا التى تبكى على انهيار الديمقراطية، فى الأوطان العربية خرجت الى الوجود على جثث الهنود الحمر، وأن سابقه «كلينتون» أمر بقتل «الداودية» عام 1993 فى ولاية تكساس لمجرد انهم انتفضوا ضد العنصرية الدينية، وشكلوا تهديداً للأمن القومى الأمريكى، ويبدو أنه تناسى القانون الذى ابتكرته أمريكا لمكافحة الإرهاب الدولى بعد 11 سبتمبر، والذى تنسف مواده كل قواعد الحرية ومبادئ الديمقراطية، كما تناسى موقفه المتناقض من رفضه لغزو العراق، ورغبته الجامحة فى غزو سوريا وتهديد مصر عسكرياً. إن مصر ياسيد أوباما لن تدخل القفص ثانية ولن تكون أبداً موطناً للإخوان ومرتعاً للإرهاب الأسود، وإذا ضعفت أو وهنت لأيام تعود لتقف صامدة شامخة، فهى رمانة ميزان القوى فى الشرق الأوسط، ولا يمكن لمن شابهك أو يتحالف معك أن يطمس هويتها العربية الإسلامية، ويتجاهل إرادة شعبها، ويجبرها على الدخول لبيت الطاعة الأمريكى، وسوف تدفع بلادك فاتورة دعمك للإرهاب فى مصر، والجيش الحر فى سوريا، مزيداً من الغضب المصرى والسخط العربى، ومهما حاولت تجميل موقفك لن تنجح فى ازالة آثار ما ارتكبته وحلفاؤك بحق شعب رفض أن يكون مصيره بيد غيره، ولن يغفر لكم التاريخ وقوفكم مع من حرقوا بلادنا وتعمدوا إسقاط دولتها المدنية الحديثة. إن مصر التى هزمت إسرائيل بسلاح الروس، وبشجاعة جنودها الأبطال، يمكنها الاستغناء عن سلاحكم، وليعلم الجميع أن ديمقراطية مصر لها أنياب شرسة تحميها من مخالب الانتهازيين والاستعماريين الجدد.